ماذا عن الهجرة الرابعة للمسيحيين من لبنان؟… مرسال الترس

اذا كان معظم اللبنانيين يقفون اليوم مشدوهين إزاء ما يحصل في بلادهم التي كانت تُعتبر منارة أو سويسرا الشرق، فإن جميع المسيحيين (باستثناء زعمائهم وسياسييهم والمسؤولين الدينيين عنهم) ينظرون بأسى إلى ما يمكن أن يحصل لهذه الشريحة من المواطنين التي قيل يوماً أن هذا البلد قد فُصِّل على قياسها!

ففي منتصف الأسبوع الفائت صدر عن المطارنة الموارنة الذين اجتمعوا في الصرح البطريركي في بكركي كعادتهم في مطلع كل شهر، بيان يتضمن دعوة “لمقاومة إزالة لبنان لأنها قضية حياة أو موت”! والسؤال الذي تصدر أذهان المتابعين بقوة هو: “ماذا فعلتم انتم من أجل عدم الوصول إلى هذا الدرك، قبل أن تطلبوا من “أبنائكم” المقاومة والصمود؟ بدل إصدار البيانات الطنّانة الرنانة التي تُسقي المواطنين من طرف اللسان حلاوة لا اكثر، في حين أن نتائج التطبيق تتضمن في كل مرة مرارة اكبر؟

لقد مرّ على المسيحيين في لبنان منذ الاستقلال ونتيجة السياسات (المدنية والدينية) العديد من المفاصل الصعبة جداً التي كانت تنتهي بنكسات على حتمية وجودهم، ليس أقلها الاحداث الطائفية في العام 1958، ومثلها وأكثر في العام 1975، وصولاً إلى القرارات المذهبية الخالصة في العام 1992، وما تلاها في العام 2005 وملحقاتها، ارتفاعاً إلى هذه الفترة العصبية منذ خريف 2019 والتي باتت تتمحور حول كيفية المحافظة على الوجود، على ضوء حجم الهجرة، وكيفية القيام بالدور المنوط بهم كشريك فاعل في تركيبة الوطن!

فقد جاء في بيان المطارنة أنهم”يحذِّرون من مغبة ما يجري ويُخفي انقلابًا على الميثاق الوطني والدستور واتفاق الطائف”. والاسئلة التي طرحها المتابعون تضمنت: أليست بكركي هي التي سهلّت الوصول إلى إتفاق الطائف في العام 1989، ثم دعت إلى مقاطعة الانتخابات في العام 1992، ورافق ذلك دعوات للابتعاد عن الدخول في الدولة. الأمر الذي أوصل نواباً حصلوا على أربعين صوتاً فقط؟ في حين كان الشباب المسيحي يشدّ رحاله بحثاً عن ملاذ آمن خارج بلاد الأرز؟

وقال البيان: “يرفض الآباء رفضًا قاطعًا الإذلال المُمنهَج للمواطنين سواءً في تسوّل أموالهم من المصارف أو في طوابير المحروقات، أو وسط شبه انعدام الدواء والمواد الحياتية الأساسية الأخرى”. والأسئلة المواكبة: ألم تكن بكركي من الذين وضعوا خطوطاً حُمُر لمنع مساءلة ومحاسبة رأس السلطة المصرفية الذي يتحمل مسؤولية محورية في ما جرى. وما هي الاجراءات التي إتخذتها المؤسسات البطريركية للتخفيف عن أبنائها الذين يقفون طوابير على أبواب المطار ناهيك عن المستشفيات والصيدليات وصولاً الى محطات المحروقات؟

وتضمن بيان بكركي: “يرى الآباء أن لبنان الحرية والسيادة والاستقلال وسلامة الأراضي بات على مشارف الزوال، وأن ثمة قوى إقليمية ومحلية تابعة لها وراء ذلك”. فأين بكركي التي كانت حجر الزاوية في استقلال لبنان، لا تسعى إلى كلمة سواء بين الزعماء والاحزاب المسيحية للتوافق على مخارج لائقة بالتوافق مع الشركاء الآخرين، بدل التصويب عليهم؟ وعلى التحرك بفاعلية إقليمياً ودولياً لاستعادة الدور الذي ينتظره أبناء الرعية؟

إزاء الأزمات الكبيرة ولاسيما في أيام العوز والجوع كانت لبكركي صولات وجولات كما دوّنت كتب التاريخ. فماذا ستذكر الكتب المقبلة عن دور الصرح في مرحلة ما بعد الاستقلال الذي منحتنا إياه “الأم الحنون”؟ وإذا كانت الهجرات الكبيرة الثلاث التي مرّت على المسيحيين في لبنان قد “خلخلت” وجودهم، فإن الهجرة الرابعة بالتأكيد ستكون القاضية. إذا بقي هناك من يسمع! وعندها لن يجدوا من يتزعمون عليه!..


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal