حياد لبنان.. خيار استراتيجي بين نقيضين (23)… صبحي عبد الوهاب

تنشر “سفير الشمال” على حلقات كل يوم ثلاثاء دراسة حول طرح ″الحياد″ أعدها الباحث صبحي عبدالوهاب، وفيما يلي الحلقة رقم 23

يدرك “حزب الله” تمام الإدراك أن فريقاً من اللبنانيين يناوىء خيار المقاومة لديه، وهذا الفريق يعتمد – كما يذهب عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب الدكتور حسن فضل الله في كتابه “حزب الله والدولة في لبنان” / الرؤية والمسار / الصادر عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر في طبعته الثانية من العام 2015 وفي الصفحة 172 منه – على ” مبدأ تسييد الدول على الدولة من خلال الإتكاء على موقف دولي ضاغط، يستفيد من سطوة القوة الإسرائيلية لفرض الشروط على المقاومة وحلفائها، وكان هدفه الإستفادة من الحرب الإسرائيلية لتغيير المعادلة المحلية والإقليمية، وقد رسمت خطط كثيرة لإغتنام فرصة الحرب في تموز 2006 ، وتحويلها الى مفصل تاريخي يقلب تلك المعادلة، ويعيد تأسيس لبنان على مرتكزات خالية من أي دور للمقاومة وجمهورها، والفرضية المطروحة إستنبطت الآتي: تدمر الحرب الإسرائيلية بنية المقاومة، وتضرب مقومات بيئتها الحاضنة الإقتصادية والعمرانية ويؤدي هذا التدمير الى إضعاف تلك المقاومة وجعلها غير قادرة على مواجهة الضغوط المتزايدة بعد تحميلها مسؤولية الحرب ونتائجها والنتيجة تكون إنهيارها ومن ثم إستسلامها .

 ويشير النائب فضل الله الى أن نجاح تلك الفرضية يعتمد على آلية التدمير الإسرائيلية التي تمهد الأرض للذراع الدولية المتمثلة بقوة متعددة الجنسيات وتفوض تلك القوة من مجلس الأمن الدولي بقرار يصدر تحت الفصل السابع.

وربما هذا الإدراك المسبق لا يزال تسوده المناخات السياسية السائدة والمنازعات الناجمة عن أطروحة الحياد وملحقاتها وقد تجلى في أوضح صورته من خلال ما تضمنته عظة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي يوم الأحد الرابع عشر(14) من زمن العنصرة في مقره الصيفي في الديمان – الأحد ٢٢ آب ٢٠٢١- حيث أدان سلوك المسؤوليين اللبنانيين الذين يلتزمون تصفيةَ الدولةِ اللبنانيّةِ بنظامِها وميثاقِها ودورِها التاريخيِّ ورسالتِها الإنسانيّةِ والحضاريّة. وإعتبرهم جُزءٌ من الانقلابِ على الشرعيّةِ والدولة، لأنهم لا يريدون لبنانَ الذي بناه الآباءُ والأجدادُ أرضَ لقاءٍ وحوار،ويَتقصَّدون دفعَ الشعبِ عَنوةً ورغماً عنه إلى إدارةِ شؤونِه بنفسِه، وإلى خِيارات يَنأى عنها منذ خمسين سنة، كصدى لهذا الصوت العُلويُ، إذ نطالب وما زلنا بضرورة عقد مؤتمر دوليّ خاص بلبنان برعاية منظّمة الأمم المتّحدة من أجل إنقاذ لبنان بتطبيق قرارات مجلس الأمن غير المطبّقة إلى الآن، وتنفيذ إتفاق الطائف بروحه وكامل نصوصه، وإعلان حياد لبنان وفقًا لهويّته الأساسيّة، وتنظيم عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، وحلّ قضيّة اللاجئين الفلسطينيّين.

إلا أن كل هذه التطورات في مواقف البطريركية المارونية لم تغير من قناعة حزب الله الداخلية بأولوية الحفاظ على مشروع الدولة وفقا للرؤية التي أرساها في وثيقته السياسية الثانية عام 2009 والتي حدد فيها وظائف المقاومة سماحة السيد حسن نصرالله في سياق المسار الذي يسلكه داخل الدولة اللبنانية وكان ذلك خلال لقاء داخلي مع المهن الحرة في حزب الله بتاريخ 24/1/2013 وأشار اليه النائب فضل الله في الصفحة 226 من كتابه المذكور في سياق النص، كما أدرك حزب الله أيضاً وباكراً خطورة الوقوع في شرك الإغراء بالإستحواذ على السلطة لسببين جوهريين هما: أن الحزب هو مشروع مقاومة للحماية والدفاع عن لبنان وليس مشروع سلطة، وأن لبنان يشكل بتنوعه، وطبيعة تركيبته نموذجاً خاصاً من الضروري المحافظة عليه ولا يمكن لأي فريق أن يستاثر بقراره، وقد أثبتت التجارب فشل كل محاولات الهيمنة الآحادية على لبنان مهما بلغ شأنها وإستقوت بالخارج.

وبالرغم من هذه التوجهات الإستراتيجية التي تضمنتها الوثيقة فلا يزال هناك قسم واسع من اللبنانيين قد أكد ومنهم الدكتور وضاح شرارة ” أن البنود الواردة في الوثيقة لم تحمل ملامح تحول نوعي، فقد رفضت في رأيه الإقرار بوجود الكيان اللبناني وأسبغت عليه بعداً ملتبساً، وما الحديث عن المزاوجة بين المقاومة والجيش إلاّ نوع من الإحتيال والتمويه على الأولويات الفعلية التي توجه عمل الحزب وسياسته. والأولويات الفعلية هي حبل السرة الذي يربط ما يسمى «حزب الله» وهو فعلاً جيش مسلح، سري، وأهلي مرتبط بالدولة التي انشأته أوائل الثمانينات، وهذه الدولة هي إيران الخمينية، وفي قلبها عدد من الأجهزة المعنية بإنشاء عدد من الحركات الأهلية المحلية الإسلامية وتوجيهها وتسليحها، والتي تسمى تجاوزاً حركات تحرر. الجهاز الذي أنشأ «حزب الله» هو بعض مستشاري روح الله الخميني، وبعض قادة الحرس الثوري الإيراني. هذا هو ركن جماعة «حزب الله»، ومن هذا الركن، تنشأ الصيغ الأمنية والسياسية والأهلية التنظيمية والمالية والدعوية وفي مرحلة لاحقة، لبس حزب الله القناع الفلسطيني للخروج من قيد الأقلية المذهبية من جهة، والانخراط في إطار عربي قومي وسني في معظمه من جهة اخرى. ولعل إنفراد المقاومة الإسلامية الشيعية في لبنان بالقتال والسلاح والفرض السياسي، مثل آخر على غربة أصحاب السلطة الفعلية عن مجموعاتها. صحيح أن الوثيقة تقر بكيان لبنان الوطني والسياسي والدستوري، إلا أن تأريخها للبنان بالحوادث القليلة والضئيلة التي أرضت بها اللبنانيين، دليل على أن فهم هذه الجماعة للدولة، هو فهم بدوي وقبلي، لجهة ربط مفهوم الوطن بالولادات والأنساب «الآباء والأجداد والابناء والأحفاد». هذا الربط هو ربط أعرابي وبدوي، وليس عربياً، وهو يغفل عن المعاصرة الإسلامية، ويحتقر حياة الناس الفعلية. وأما الحضور في معادلات المنطقة فهو عبارة رتيبة، ومكررة، يراد بها على ما تقول الوثيقة في البندين الخامس والسادس، التحاق لبنان بالنظام السوري، وبالنظام الإيراني الحرسي. فالوثيقة نفسها تدعو الى عودة السياسة الأمنية الى لبنان، وتدعو الى دخول لبنان في المدى الحيوي الإيراني… وعلى هذا لا أرى تحولاً نوعياً ولا اعترافا ضمنياً بكيانية لبنان”.

 من هنا تنبثق الرؤية الإستراتيجية لحزب الله التي لخصها النائب فضل الله وأبان من خلالها المسار العام للحزب بأنه “يبحث عن دولة توفر مستلزمات العيش الكريم للناس من حوله، وفي الوقت ذاته تصون أمنهم وإستقرارهم، وتحمي سيادتهم وقرارهم الحر من دون أية تبعية للخارج، وتواجه التهديد الإسرائيلي الدائم. شراكتها في هذه الدولة هي من موقعها المقاوم الذي يسهم في تقوية بنيانها، لكنها شراكة لا تقتصر على العمل المقاوم فحسب، بل تتعداه لتقديم نموذجه في السلطة، كفريق يحمل مبادىء وقيماً يستمدها من ثقافته الدينية، ومن تاريخ بيئته الشعبية، ومن إصالة إنتمائه الى وطن نهائي وتاريخ وحضارة”.

ويبقى السؤال المحوري يبحث عن الجواب الذي يتبلور من خلاله نموذج حزب الله في السلطة؟!


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal