شيخ العقل في رسالة الأضحى: أي معنى للمواطنة وسط هذا الخراب الشنيع المخيف؟

وجه شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن رسالة عشية عيد الاضحى المبارك، جاء فيها:
“بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد سيد المرسلين وخاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
يعيدنا الأضحى إلى الأصول، إلى البيت الحرام وقد حج إليه الناس آتين(من كل فج عميق)، تلبية لأمر الله، وصدعا لقبول حكمته، وشوقا إلى رضاه بالطاعة والرضى والإيمان. يأتون بقربانهم دلالة التقرب وهو الهدي، وهو الذبيحة تقدم وضمير المؤمن كما في الأية الكريمة (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) (الحج: 73).
أراد الله التقوى وإنما هي ثمرة من ثمار القلوب الطيبة حجة على ذوي القلوب الغائبة التي استوطنتها الدنيا بداءيها: المال والسلطة.
والمسلمون المؤمنون الموحدون يتقربون إلى ربهم بالطاعة في أيام مباركات حملت في معانيها إرث “جدكم ابراهيم”.
وهو إرث منغرس في الحضارات التي بزغت على الإنسانية لأن “الكتاب” كان لها نورا وهدى.
والقدس الشريف، مدينة السلام مهما التبست بصائر الأمم، شاهد، ماضيا ومستقبلا، برموزها وصروحها، على الإيمان وفي صلبه معنى القربان، وفي جوهره أن يتخلى الإنسان ساعة الحقيقة القائمة في كل حين عن سطوة الشهوات الجامحة، ظاهرها وباطنها، ليكون أخا في الإنسانية لكافة “نظرائه في الخلق”.
لقد كرس هذا المعنى ليكون عيدا، بل أياما مشهودة مباركة، بما ذكره الكتاب الكريم عن النبي ابراهيم وفداء ابنه( بذبح عظيم)( الصافات: 107).
فكان من حكمة الله أن تؤدى الشعائر والمؤمنون في حالة إحرام. والإحرام تجرد من كل علائق الدنيا في حرمة المسير والسعي والوقوف والطواف تلبية لإرادة الله وامتثالا لمقاصد آياته بالرضى والشوق إلى رضاه.
والعيد الحقيق أن يقف الإنسان إزاء مرآة روحه ليرى أحوالها بقياس الحق.
ولا نحتاج لنلفت إلى اضطراب الأوضاع في عالم اليوم، والمنحى الذي يتواتر صعوده باستمرار نحو الصراع بين القوى العظمى للهيمنة على مناطق النفوذ في إطار استراتيجيات السيطرة والتحكم بالأرض والناس ومصادر الطاقة وكل شأن حيوي في أي مكان.
لا نحتاج إلى هذا حين أن بلدنا الجميل يقدم ذبيحة كرمى لمصالح شتى على حساب مصلحته الوطنية التي هي في نواتها التكوينية تأسست على التفاهم والتناغم واللقاء وإرادة العيش معا تحت راية واحدة.
إنها مأساة ضارية توجع المواطن اللبناني بقطع النظر تماما عن انتمائه الطائفي.
وأي معنى للمواطنة – التي هي بالمناسبة انتماء إلى دولة تحمي أبناءها – وسط هذا الخراب الشنيع المخيف الذي نراكمه يوما بعد يوم في أسوأ الازمات المعيشية والصحية والاجتماعية والاقتصادية.
مرده بكل أسف الى تخلي القابعين في مواقع المسؤولية عن واجبهم الوطني وتقديم التضحيات لمصلحة الوطن والمواطنين درءا للخطر ووقف الإنهيار.
بل أي معنى للنص الدستوري برمته حين يصير كلمات يتيمة ضعيفة في غياب إرادة التعاون والمشاركة والاحترام المتبادل ؟ قيل في الماضي أن ” نفيان لا يصنعان أمة”، فهل نحن اليوم في زمن تحول المجموعات إلى كتل شعبوية منكبة على نفي واحدتها الأخرى في كل مجال؟ وفوق كل ذلك، تتساقط المؤسسات والقطاعات والبنى الخدماتية والقيمة الشرائية بشكل لم نشهده منذ الاستقلال.
يا لها من احتفالية تتزامن مع مئوية الكيان؟ هل بقيت دعامة واحدة من الهيكل المتصدع والموشك على السقوط؟ هل بعد نملك ما يحفظ مناعتنا الوطنية إزاء التعلل بدول العالم لإنقاذنا مما توبخنا عليه؟ هل بقي في وجوه ذوي القرار ماء لنسأل عن وجوب حماية غالبية الشعب من الفقر والجوع والحرمان من مقومات الحياة الخدماتية؟ هل بقي من مقوم واحد يمكن بعد أن يبنى عليه لتكون للبنان في أسرع وقت حكومة إنقاذ قادرة على أداء واجباتها؟ توقف هذا الانهيار الخطي وتفتح الباب أمام خطوات لاحقة تتيح بدء مسار جاد لمعالجة كل الأزمات.
لن نفقد الأمل رغم هذا الانحلال الذي أصاب كل شيء في لبنان.
إن التغيير آت لا محالة.
وبإيماننا نلوذ بمن هو الرحمن الرحيم الكريم سائلين أن يفتح باب الفرج على شعبنا، وأن يلهمنا على الدوام إلى ثبات قلوبنا في حسن تمييز وتبجيل قيم الفضيلة والخير والتسامي والإيثار والتضحية والمحبة والسلام الروحي لترقى أرواحنا إلى تحقيق إنسانية لائقة بالحياة الكريمة مهما اشتدت الصعاب.
وهذه القيم هي معاني الأضحى بامتياز.
وفي هذا اليوم المبارك نجدد أيضا النداء الى أبناء الطائفة كما الى جميع اللبنانيين، وندعوهم إلى الوحدة والتكافل والتعاون والتعاضد والتلاقي وشد الأزر، وتضافر الجهود في وجه التحديات الكثيرة، وأن تتوالى المبادرات الأهلية الى جانب جهود المؤسسات والجمعيات وخلايا أزمات القرى لمد يد العون لبعضنا البعض، مقدرين دور أبنائنا في الاغتراب.
ونسأله تعالى أن يكون هذا العيد مناسبة خير جامعة نستلهم منها كل في موقعه ودوره قناعة الانصراف للعمل من أجل النفع العام، فذلك وحده ينقذ الانسان والمجتمع.
أعاد الله تعالى هذه المناسبة على وطننا وشعبه بالخير، وهو حسبنا ونعم النصير”.
ونظرا للظروف الراهنة، يعتذر الشيخ حسن عن عدم تقبل التهاني بالاضحى، وكذلك عن عدم اقامة الصلاة صبيحة العيد في مقام الامير عبدالله التنوخي في عبيه كما جرت العادة.


مواضيع ذات صلة:

Post Author: SafirAlChamal