ميقاتي.. منهجية شمولية تؤسس لاستعادة الدولة ودور طرابلس… لبنى دالاتي

يرتبط ما وصلت اليه البلاد من انهيار، وتراجع متدرج في أوضاعها العامة بشكل وثيق بالغاية التي حملها السياسيون الطامحون للوصول إلى السلطة، وفي أكثرية الأحيان فإن الغاية السياسية والشخصية في الوصول إلى مواقع السطة هي الاستغلال الرخيص لها، وتجاوز كل اعراف العمل الانساني، بسيطرة الانانيات المستفحلة، او عن طريق الاستئثار، وممارسة النفوذ، تارة بالوراثة، وتارة اخرى بالتحريض المبتذل، والبعيد عن منطق الممارسة الصحيحة للشأن العام.

من هنا يبدأ التمايز الفعلي بين شخصية وأخرى، وعليه تبنى الرؤى القريبة والبعيدة المدى لكل فرد، استنادا على إرث التربية، وانطلاقا من بيوتات المجتمع العصامي الذي بنى مداميك عمله العام، والخاص معا، على قاعدة “من جدّ وجد ومن زرع حصد”.

وفي معرض المفاضلة السياسية بين شخصية وأخرى، لا بد من التوقف عند شخصية اتسمت برصانة السلوك السياسي الذي يقرن القول بالعمل.

لا بد في هذا السياق من التلاقي مع الرئيس نجيب ميقاتي، الانسان، والذي هو نفسه نجيب ميقاتي النائب والوزير ورئيس الحكومة، وهذا قلما نجده في قيادات تتبوأ مناصب عامة.

كرس الرئيس ميقاتي مسمى رجل الدولة المسؤول، إن في بيئته الاجتماعية الصغيرة، أو في مجتمعه الوطني الواسع ليجسد إرث التربية والأخلاق والسلوك وارتباطهم بنتائج العمل.

لم يكن نجيب ميقاتي رجل طرابلس فحسب رغم كل ما يقدمه لهذه المدينة الزاخرة بالرجالات بل إن ابن هذا الجزء من شمالي الوطن يدأب على تقديم جرعات الدعم بكل اتجاه متجاوزا حسابات المناصب، والمنافع الشخصية، وابتغاء التصفيق، وما شابه، فهو زعيم فعلي، لم تصنعه الظروف بقدر ما انتجته المعرفة، وشمولية الوعي الذي يتمتع به، واكتسبه بالتربية المنزلية، وبكاريزما مميزة، وبتجربة واسعة على الساحة المحلية والدولية.

ومما يسجل للرئيس ميقاتي تأسيسه “جمعية العزم والسعادة” قبل سنوات من دخوله الحياة السياسية. بمعنى آخر، فقد طوّر فكرة الخدمات الاجتماعية من أجل النهوض بالمدينة، ورفع الغبن والتهميش عنها واستعادة وزنها السياسي ودورها كعاصمة ثانية بعد أن عانت خللا في الانماء والتنمية.

آثر الرئيس ميقاتي التخلي عن الكثير من المكاسب الشخصية لصالح المصلحة العامة، فدخل المجلس النيابي عام 2000 ضمن لائحة جامعة لكل القوى، ولم يعمل على التفرد على غرار كثيرين من زعامات الصف الأول، بل فضّل العمل المشترك.

عام 2004، ساهم مع بقية الأفرقاء في مدينته طرابلس في تشكيل لائحة الانتخابات البلدية، قبل أن يتخلى عن خوض الانتخابات النيابية عام 2005 لمصلحة مهمة وطنية كبرى وهي ترؤس حكومة إنتخابات نجحت في نقل لبنان من مهب الريح الى ضفة الاستقرار.

ما بين الـ 2009 والـ 2018  عزز العمل الخدماتي، والاجتماعي، وتحولت “جمعية العزم والسعادة” إلى ملاذ لأصحاب الحاجات، فقدمت الخدمات الطبية عبر المستوصفات المنتشرة في أحياء طرابلس والتي مددت دوام عملها لمواجهة جائحة كورونا، إضافة إلى الخدمات في القطاعات الأكاديمية، التربوية، والانسانية، والرياضية، وغيرها.

كما عقد الرئيس ميقاتي العزم على إنشاء نهج يتميز بالمساواة وعدم تفضيل طائفة على أخرى، وبفضل ذلك تمكن من رؤية مساحات أوسع جعلته يتواصل مع الآخرين باختلاف طوائفهم ويشعر بأوجاعهم، ويبذل لهم ويسد ما استطاع من حاجاتهم.

في العام 2018 عندما بلغ الاصطفاف والانقسام ذروته، فضل تشكيل لائحة انتخابية تراعي واقع طرابلس بعيدا عن الاصطفافات المتصارعة بصيغة 8 و 14 آذار.

تلك سمات الرجل المعتدل والوسطي، أما ما يقوم به عبر لقاء رؤساء الحكومات السابقين، فما هو سوى استعادة التوازن المفقود من أجل الحفاظ على موقع رئاسة الحكومة الذي يتعرض للاستهداف، وسعيه لتحويل لقاء رؤساء الحكومات السابقين إلى منصة سياسية تركز على تجاوز الخطاب الطائفي، وتحافظ على التوازنات من منطلق وطني، وهذه الروحية هي ما يحتاجه البلد من أجل إعادة ترميم الواقع اللبناني الذي دخل مرحلة حرجة من الإنهيار.

كما أن منحى التوافق المنطلق من الثوابت الوطنية التي حرص الرئيس ميقاتي على تكريسها، ما هي إلا خطوة أساسية في سبيل فرملة الإنهيار، واستعادة الثقة المفقودة، بالرغم من كل ما تعرض له من استهدافات كونه خارج لعبة المحاور.

قد يكون الرئيس ميقاتي أسس لمذهب الحياد، والوسطية بالرغم من صعوبة الواقع اللبناني الذي يعيش مرحلة انعدام وزن، ولكن منهجيته بشموليتها تؤسس لمرحلة استعادة الدولة، وبالتوازي استعادة دور طرابلس.

الكاتب: لبنى دالاتي ـ كاتبة لبنانية


مواضيع ذات صلة:


Post Author: SafirAlChamal