سقوط القسطنطينية ومصير لبنان: ما أشبه اليوم بالبارحة… عبد الكافي الصمد

تروي كتب التاريخ أنّ السلطان العثماني محمد الفاتح عندما كان يحاصر مدينة القسطنطينية، إسطنبول الحالية، وكانت على وشك السقوط، وكان رجال الدّين داخل أسوار المدينة مع حاشياتهم يتجادلون حول جنس الملائكة، أهو ذكر أم أنثى، بدل التفاتهم إلى كيفية منع سقوط مدينتهم المحاصرة، وهو ما حصل.

تشبه الأيّام الأخيرة قبل سقوط عاصمة الإمبراطورية البيزنطية في 29 أيّار عام 1453 ميلادي ما يعيشه لبنان هذه الفترة، وهو مهدد بالإنهيار والإختفاء عن خارطة الدول في المنطقة مثلما حذّر أكثر من مسؤول فرنسي في الآونة الأخيرة، إن لم يتدارك مسؤولوه خطورة الأمر قبل فوات الأوان.

مطلع الشّهر الجاري أصدر البنك الدولي تقريراً تحت عنوان: “لبنان يغرق: نحو أسوأ 3 أزمات عالمية”، حذّر فيه من أنّ “لبنان غارق في انهيار إقتصادي قد يضعه ضمن أسوأ عشر أزمات عالمية منذ منتصف القرن التاسع عشر، في غياب لأي أفق حلّ يخرجه من واقع مترد يفاقمه شلل سياسي”، متوقعاً أن “ينكمش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في لبنان، الذي يعاني من “كساد اقتصادي حاد ومزمن”، بنسبة 9.5 في المئة في العام 2021″، ومرجحاً أن “تُصنّف هذه الأزمة الاقتصادية والمالية ضمن أشد عشر أزمات، وربما إحدى أشد ثلاث أزمات، على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر”.

وأضاف التقرير أنه “في مواجهة هذه التحديات الهائلة، يهدّد التقاعس المستمر في تنفيذ السياسات الإنقاذية، في غياب سلطة تنفيذية تقوم بوظائفها كاملة، الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية المتردية أصلاً، والسلام الإجتماعي الهش؛ ولا تلوح  في الأفق أي نقطة تحوّل واضحة”، معتبراً أن “إستجابة السلطات اللبنانية لهذه التحديات على صعيد السياسات العامة كانت غير كافية إلى حد كبير”، ويعود ذلك إلى أسباب عدة أبرزها “غياب توافق سياسي بشأن المبادرات الفعّالة في مجال السياسات” في مقابل “وجود توافق سياسي حول حماية نظام إقتصادي مفلس، أفاد أعداداً قليلة لفترة طويلة”.

هذا التوصيف المقلق لواقع الأزمة في لبنان، واكبته أيضاً تقارير داخلية وخارجية كثيرة أشارت إلى أن “الأسوأ لم يأت بعد”، وأن “البلاد على شفا إنهيار شامل لن يطال الإقتصاد وحده”، وأن “السبب الرئيسي للأزمة هو عدم وجود سياسة متكاملة لمواجهة الأزمة الإقتصادية، إلى جانب غياب الإرادة السياسية الحقيقية للحلّ والمواجهة”.

لكن هذه التحذيرات المترافقة مع إنهيار ملموس على كلّ الصعد بدأ فعلياً قبل أكثر من سنة ونصف، بعدما كانت معالمه تلوح في الأفق قبل ذلك بسنوات، لم يدفع أهل السّياسة في لبنان والطبقة الحاكمة إلى التنازل قليلاً وتقديم التضحيات قيد أنملة، لمنع البلد من الوصول إلى الإنهيار التام، وسقوط الهيكل فوق رؤوس الجميع.

فمنذ بداية الأزمة الأخيرة قبل نحو سنة ونصف، تبدو الطبقة السياسية الحاكمة وكأنها تعيش في كوكب آخر، متجاهلة مشاكل البلاد وتدهور أوضاعه بشكل دراماتيكي، بشكل يشبه ما فعله رجال الدين وحاشياتهم في مدينة القسطنطينية قبل أكثر من خمسة قرون ونصف؛ فبدلاً من إلتفاتهم لمعالجة أزمات البلد التي وضعت مصيره على كف عفريت، كان كلّ همهم منصبّ حول حصصهم في الحكومة المقبلة، ومن يُسمّي هذا الوزير أو ذاك، أو ينال هذه الحقيبة الوزارية أو تلك، ولا يهمهم إلا الحفاظ على كراسيهم الرابضة فوق وطن ينهار ويفلس ويفتقر شعبه ويجوع ويهاجر، وتتلاطمه أمواج أزمات المنطقة الهائجة من كلّ صوب.


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal