حياد لبنان.. خيار استراتيجي بين نقيضين (7)… صبحي عبدالوهاب

تنشر ″سفير الشمال″ على حلقات كل يوم ثلاثاء دراسة حول طرح ″الحياد″ أعدها الباحث صبحي عبدالوهاب، وفيما يلي الحلقة السابعة..

أمام الحشود الشعبية التي تجمعت في باحة الصرح البطريركي في 27 شباط 2021 استهل البطريرك الراعي كلمته، بتاكيده على أن “اختيار نظام الحياد هو للمحافظة على دولة لبنان في كيانها الحالي الذي أساسه الإنتماء اليه بالمواطنة وليس بالدين وميزته التعددية الثقافية والدينية والإنفتاح على كل الدول وعدم الإنحياز”، و”طالبنا بمؤتمر دولي لأن كل الطروحات رفضت حتى تسقط الدولة ويتم الإستلاء على مقاليد السلطة، ونحن نواجه حالة إنقلابية بكل معنى الكلمة على كل ومختلف الميادين الحياة العامة وعلى المجتمع اللبناني وعلى ما يمثل وطننا من خصوصية حضارية في هذا الشرق” و”نريد من المؤتمر الدولي أن يوفر الدعم للجيش اللبناني ليكون المدافع الوحيد عن لبنان والقادر على إستعداد القدرات العسكرية الموجودة لدى الشعب من خلال نظام دفاعي شرعي يمسك بقرار الحرب والسلم، ونحن نريد من المؤتمر الدولي أن يحسم وضع خطة تنفيذية سريعة لمنع توطين الفلسطينيين وإعادة النازحين السوريين إلى ديارهم ولا نريد منه جيوشاً ومعسكرات أو المس بكيان لبنان فهو غير قابل لإعادة النظر وحدود لبنان غير قابلة للتعديل وشركته المسيحية – الإسلامية غير قابلة للمس وديمقراطيته غير قابلة للنقض ودوره غير قابل للتشويش وهويته غير قابلة للتزوير”.وأن “أي تطوير للنظام اللبناني لا يجوز أن يكون على حساب ما تم الإتفاق عليه منذ تأسيس دولة لبنان، والتطوير لا يعني إلغاء المواثيق الدستورية بل توضيح الملتبس بها كي تتكامل السلطات الدستورية، وهو لا يعني محو الماضي بل تحصين الثوابات، ومن حقنا العيش حياة كريمة في وطننا، لقد ولدنا لنعيش في مروج السلام الدائم لا في ساحات القتال الدائم، وجميع مشاكل الشعوب باتت قابلة للحل بالحوار والتفاوض والعلاقات السلمية”.

ورأى أن الحشود جاءت الى الصرح البطريركي لكي تدعم المطلب بإعلان حياد لبنان الإيجابي الناشط. إذ  لا يختلف اثنان على أن خروج الدولة أو قوى لبنانية عن سياسة الحياد هو السبب الرئيس لكل أزماتنا الوطنية والحروب التي وقعت في لبنان. لقد أثبتت التجارب التاريخية، القديمة والحديثة، أن كلما انحاز البعض إلى محور إقليمي أو دولي، انقسم الشعبُ وعُلّق الدستور، وتعطلت الدولة وانتكست الصيغة اللبنانية، واندلعت الحروب. إن جوهر الكيان اللبناني المستقل هو الحياد. بل إن الهدف من إنشاء دولة لبنان الكبير هو خلق كيان حيادي في هذ الشرق يشكل صلةَ وصل بين شعوب المنطقة وحضاراتها، وجسرَ تواصل بين الشرق والغرب. واختيار نظام الحياد هو للمحافظة على دولة لبنان في كيانها الحالي الذي أساسه الإنتماء بالمواطنة لا بالدين، وميزته التعدّديّة الثقافيّة والدينيّة، والإنفتاح على كل الدول وعدم الإنحياز. ونحن نجدد معكم الدعوة إلى اقرار حياد لبنان لكي نعطي للحياد صفة دستورية ثابتة بعدما ورد ذكره بأشكال شتى وتعابير مختلفة في وثيقة إنشاء دولة لبنان وفي خطب رؤساء الجمهوريّة وفي بيان حكومة الاستقلال وبيانات سائر الحكومات المتتالية وصولا إلى إعلان بعبدا في 11 حزيران 2012.

وأن ما نطالب به لم نعلن عنه إلا بعد أن بلغت كل الحلول الأخرى الى حائط مسدود، ولم نتمكن في ما بيننا من الاتفاق على مصير وطننا. حتى ان السياسيين المعنيين لم يتمكنوا من الجلوس على طاولة واحدة للتحاور وتيقّنا أنَّ كلَّ ما طُرحَ رُفض لتبقى الفوضى، وتسقطَ الدولة، ويتمَّ الاستيلاءُ على مقاليد السلطة. أما ان يتركوا الامور كما هي فيفتقر الشعب وتنهار الدولة فهذا ما لا نقبله. نحن نواجه حالةً انقلابيّة بكل معنى الكلمة على مختلف ميادين الحياة العامة، حالة انقلابية على المجتمع اللبناني وعلى ما يمثله وطننا من خصوصية حضارية في هذا الشرق. وكان الإنقلاب الأوّل على وثيقة الوفاق الوطني التي أقرّها مؤتمر الطائف سنة 1989، وقد إنعقد برعاية دوليّة وعربيّة. ولكنّه لم يُطبّق حتى اليوم بكامل نصّه وروحه؛ وعُدّل الدستور على أساسه، فظهرت فيه ثغرات أثّرت في العمق على حياة الدولة حتى أصيبت بالشلل. فلو تمكّنت الجماعة السياسيّة عندنا من إجراء حوار مسؤول لتحصين وثيقة الوفاق الوطني، ومعالجة الثغرات في الدستور، لما طالبنا بتاتًا بمؤتمر دوليّ برعاية الأمم المتّحدة، يساعدنا على حلّ العقد التي تشلّ المؤسّسات الدستوريّة ونريد من المؤتمر الدولي أن يثبِّتَ الكيانَ اللبنانيَّ المعرَّض جديًّا للخطر، وأن يعيدَ تثبيتَ حدودِه الدولية.

ويجدّدَ دعم النظام الديمقراطي الذي يعبّر عن تمسّك اللبنانيّين بالحرّية والعدالة والمساواة.

وإعلانَ حيادِ لبنان فلا يعود ضحية الصراعات والحروب، وأرض الانقسامات، وبالتالي يتأسّس على قوّة التوازن، لا على موازين القوى التي تنذر دائمًا بالحروب.وأن يّتخذ جميع الإجراءات لتنفيذ القرارات الدولية المعنية بلبنان، والتي لم تُنفَّذ أو نُفّذَت جزئيا. فتنفيذ هذه القرارات من شأنه أن ينقذ استقلال لبنان وسيادته ويسمح للدولة اللبنانية أن تبسط سلطتها الشرعية على كامل الأراضي اللبنانية من دون أي شراكة أو منافسة.

ويوفّر الدعم للجيش اللبناني، ليكون المدافع الوحيد عن لبنان، والقادر على استيعاب القدرات العسكرية الموجودة لدى الشعب اللبناني من خلال نظامٍ دفاعي شرعي يُمسك بقرار الحرب والسلم. ويحسمَ وضعَ خطة تنفيذية سريعة لمنع التوطين الفلسطيني ولإعادة النازحين السوريين آمنين إلى ديارهم. ولا نريد من المؤتمر الدوليّ جيوشًا ومعسكرات والمسّ بكيان لبنان فهو غيرُ قابلٍ لإعادةِ النظر، وحدودُ لبنان غيرُ قابلةٍ للتعديل. وشراكتُه المسيحيّةُ/الإسلاميّة، وديمقراطيّتُه غيرُ قابلةٍ للنقض. ودورُه غيرُ قابلٍ للتشويهَ، وهويّتُه اللبنانيّة غيرُ قابلةٍ للتزويرَ. وإنَّ أيَّ تطويرٍ للنظام، وهذه سُنّةُ التقدّم، لا يجوز أن يكونَ على حسابِ ما اتّفقنا عليه منذ تأسيسِ دولةِ لبنان. لأن التطويرُ لا يعني النقضَ، بل التحسين.و التطويرُ لا يعني إلغاءَ المواثيق الدستوريّة، بل توضيحَ الملتَبِسِ فيها لتتكامل السلطاتُ الدستوريّة. والتطويرُ لا يعني محوَ الماضي، بل تحصينَ الثوابت التاريخية. ومن حقّنا أن نعيشَ حياةً كريمةً في وطننا. ولقد وُلدنا لنعيشَ في مروجِ السلامِ الدائم، لا في ساحاتِ القتال الدائم. وجميعُ مشاكلِ الشعوبِ صارت قابلةَ للحلِّ بالحوار والتفاوض والعلاقات السلمية. قدرُ الإنسانِ أن يخلقَ أصدقاءَ لا أعداء. وأن يَحملَ المحبّةَ لا الأحقاد. ورسالةُ لبنان أن يكونَ مثالَ العلاقاتِ الإنسانيّةِ السلميّة. ومهما طال الوقت، لن ينجح أحد في أن يَقضيَ على هذا اللبنان وهذه الرسالة.لبنانُ الرسالة التي تحدث عنها من لبنان القديس البابا يوحنا بولس الثاني، وقداسة البابا فرنسيس الذي يولي قضية لبنان أهمّيةً خاصّةً وعبّر عن ذلك في رسالتين متتاليتين وفي اتصالاته مع الدول الصديقة لدعم لبنان وعدم توفير أي مسعى لبناني أو دولي لإنقاذه.

وأوضح البطريرك الراعي لافتاً الى  أن كل ما نطرحُه اليوم، من ناحيةِ إعلانِ حيادِ لبنان وعقدِ مؤتمرٍ دوليٍّ خاصٍّ به، إنما هو لتجديدِ وجودِنا الحرّ والسيّد والمستقل والمستقرّ. كلُّ ما نطرحُه هو لإحياءِ الدولةِ اللبنانيّةِ المبعثَرةِ والمعطّلةِ والمصادرة. حرّرنا الأرضَ، فلنُحرِّر الدولة. فلنحررها من كلِّ ما يعيقُ سلطتَها وأداءَها. إنَّ عظمةَ حركاتِ التحرّرِ والمقاومةِ في العالمِ هي أن تصبَّ في كنفِ الدولةِ وشرعيّتها. وإن عظمةَ الدولةِ أن تخدمَ شعبها. نتساءل أين نحن من هذه العظمة؟ الدولة هي الكيان الأسمى، ولأنها كذلك لا تتقبّلُ الدولةُ المحترمَةُ الالتباسَ والازدواجيّة والاستضعاف. فلا يوجد دولتان أو دولٌ على أرضٍ واحدة، ولا يوجدُ جيشان أو جيوشٌ في دولةٍ واحدة. ولا يوجدُ شعبان أو شعوبُ في وطنٍ واحد. إن أيَّ تلاعبٍ بهذه الثوابت يهدد وحدةَ الدولة. ونحن في هذا الصرح البطريركي نطرحُ مشاريعَ حلولٍ لا مشاريعَ مشاكل. والحلول هي لكل لبنان ولكل لبناني ولبنانية. فالحلُّ الحقيقيُّ هو حلٌّ لكلّ الشعبِ لا لفئةٍ منه دون سواها. ونحن اللبنانيّين مدعوون إلى مقاربةِ الأفكارِ بروحٍ إيجابيّة بعيدًا عن السلبيّة، خاصّةً حين تَصدر عن هذا الصَرح البطريركي، لأنّنا هنا لا نُفكِّرُ إلا إيجابيًّا، ولا نُفكّر إلا وطنيًّا، ولا نُفكّر إلا بكلِّ لبنانيٍّ ولبنانيّة. اللبنانيون جميعُهم أحباؤنا. في هذا الصرح، كلّف الزعماء المسيحيّون والمسلمون البطريرك الياس الحويّك برئاسة الوفد اللبنانيّ إلى مؤتمر السلام في Versailles سنة 1919، والتكلّم باسم جميع اللبنانيّين والمطالبة بدولة لبنان الكبير. وفي هذا الصرح، عقدت الشخصيّات اللبنانيّة المسيحيّة والإسلاميّة مؤتمرًا في 25 كانون الأوّل 1941حول البطريرك أنطون عريضة للمطالبة “بأستقلال لبنان التام والناجز والمضمون من الدول” وإنّ الدم اللبنانيّ الساري في عروقنا هو الذي قادكم اليوم عفويًّا بالرغم من كل الاخطار إلى هذا الصرح البطريركيّ بالذات، ولن نخيّب آمالكم.


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal