قراءة في المشهد السياسي.. وفاة المبادرة الفرنسية ولودريان جاء لاتمام مراسم الدفن!… غسان ريفي

وضعت فرنسا حدا لمعاناة مبادرتها الحكومية في لبنان، فبعدما تعرضت على مدار تسعة أشهر لعدة “نكسات” أدخلت على أثرها الى غرفة العناية الفائقة، ثم تعرضت لـ”كوما” سياسية، رأت “الأم الحنون” أن تنزع أجهزة الأوكسجين عنها إيذانا بإعلان وفاتها، وأرسلت رئيس دبلوماسيتها جان إيف لودريان لابلاغ المعنيين بالنبأ الحزين وإتمام مراسم الدفن، والتلويح بالعقوبات ضد كل من يثبته التحقيق فاعلا أو متدخلا أو شريكا في عدم تأليف حكومة “المهمة”.

وبما أن حالات الوفاة تتطلب تأملا وحزنا، فإن لودريان تحصن بالصمت المطبق الى حين مغادرته ما يعكس إتمامه لعملية الدفن، حيث إكتفى بإبلاغ من إلتقاهم أن فرنسا كانت تنتظر من القيادات اللبنانية الالتزام بتعهداتها التي قطعتها الى الرئيس إيمانويل ماكرون بتأليف حكومة تكون قادرة على الانقاذ، لكن للأسف فإن ذلك لم يحصل.

نفضت فرنسا يدها من سلطة سياسية لبنانية عدوة لشعبها وبلدها، وترجمت ذلك بزيارتين برتوكوليتين لوزير خارجيتها لزوم اللياقة في العلاقات الى رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وهما لم يستغرقا على بعضهما البعض 50 دقيقة، ما يعني أن الأمر إقتصر على كلام وجهه لودريان الى الرئيسين وخصوصا عون، تقول المصادر أنه “كان قاسيا”.

وربما سيسجل لودريان في كتاب مذكراته، أنه جاء الى بلد منهار إسمه لبنان ينشد فيه تقديم المساعدة لتشكيل الحكومة، فإستمع من رئيس جمهوريته الى تبرير بغلاف دستوري لعدم تسهيله ولادة حكومة من شأنها أن تنقذ بلده وشعبه الذي سبق وبشره بالذهاب الى جهنم.

إلا أن الطامة الكبرى، كانت في التعاطي الفرنسي مع الرئيس المكلف سعد الحريري الذي لم تنفع كل الاتصالات التي أجراها والجهود التي بذلها ليسلك لودريان طريق زيارته في بيت الوسط، فاستعيض عن ذلك، بزيارة الحريري لودريان في قصر الصنوبر، حيث عقد معه لقاء هو أشبه باستدعاء إستمر 25 دقيقة، كل المؤشرات تقول بأنه كان سلبيا للغاية شكلا ومضمونا.

في الشكل، لم يكن من اللائق أن يزور الرئيس المكلف سعد الحريري بما يمثل وبمن يمثل وزير خارجية فرنسا في سفارة بلاده، لا من الناحية البروتوكولية ولا من الجانب المعنوي، حيث أظهرت الزيارة حجم الأزمة التي ترخي بظلالها على الحريري الذي بات يشعر أنه محاصر من كل الجهات ويسعى الى “حج خلاص”..

وفي المضمون، فإن زيارة الحريري لم تسهم في تخفيف الحصار عنه، بل هي ربما زادت الطين بلة، حيث تشير معلومات الى أن لودريان عبّر للرئيس الحريري عن غضب فرنسا التي باتت تتطلع إليه كجزء من الأزمة وكمشارك في تعطيل تشكيل الحكومة.

واللافت أيضا، أن لودريان إستبدل اللقاءات السياسية المتعارف عليها، بلقاء موسع مع القوى التغييرية المنبثقة عن ثورة 17 تشرين إضافة الى ثلاثة نواب مستقيلين هم سامي الجميل وميشال معوض ونعمه إفرام، ما يدل على أن فرنسا التي سبق وأعلنت أنها تدعم توجهات الشعب اللبناني والمجتمع المدني، ستبدأ بخطة دعم لهذه القوى للوقوف بوجه السلطة السياسية، حيث تشير المعلومات الى أن لودريان طلب من المجتمعين تنظيم صفوفهم ليكونوا أكثر تأثيرا، لكن دعوته إفتقرت الى إجماع لم يستطع تحقيقه، بسبب إعتذار الحزب الشيوعي والتنظيم الشعبي الناصري ومواطنون ومواطنات في دولة ولحقي عن الاجتماع به.

هذا الواقع يجعل لبنان معلقا على حبال الهواء، بانتظار الحل الذي ستفرضه التسويات الاقليمية، حيث تتخوف مصادر من الذهاب نحو فوضى شاملة تفضي الى مؤتمر تأسيسي يضع عقدا إجتماعيا جديدا للبلاد بدلا من إتفاق الطائف، فيما تسأل مصادر أخرى، هل سترضى السعودية التي تستعد لاعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا أن يتم إلغاء إتفاق الطائف الذي رعته وأشرفت سوريا على تنفيذ بعضه؟، أم أن تحرير لبنان من ضغط المبادرة الفرنسية قد يدفع الى تسريع الحل، خصوصا أن صيغة الـ 3 ثمانات ما تزال مدار بحث بين الأطراف المعنية، كما أن حكومة “تكنوسياسية” من عشرين وزيرا (14 إختصاصيا و6 يمثلون التيارات السياسية) ما تزال تشكل المخرج اللائق للجميع؟.

لكن السؤال الأبرز هو، هل سيكون الحريري رئيس الحكومة المقبلة، أم أنه سيعتذر؟

تقول مصادر مواكبة: إن إعتذار الحريري قد يشكل مخرجا للحل، خصوصا بعد إقتناع الجميع باستحالة التوافق مع الرئيس ميشال عون.

في حين ترى مصادر أخرى، أن إعتذار الحريري سيكون مؤشرا للارتطام الكبير الذي سيهوي بلبنان الى الدرك الاسفل من الانهيار، وذلك لما للحريري من تمثيل وازن على الصعيدين السياسي والطائفي.

والى أن يتم إنقشاع الغبار الذي أحدثه وزير خارجية فرنسا في زيارته التأنيبية، سيكون على شعب لبنان العظيم مواجهة المزيد من الأزمات التي بدأت بعض الدوائر تتحدث عن أنها ستترجم إنفجارا شعبيا خطيرا بعد الأعياد.


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal