الأزمة اللبنانبة.. ما بين الإدارة والإرادة السياسية!… عبدالرزاق القرحاني

لا تزال الأزمة اللبنانية تحمل نفس العناوين  منذ عقود: كيف يمكن أن نتجنب العودة إلى الحرب الأهلية وتحقيق الوفاق الوطني المنشود؟.. وما السبيل للخروج من الأزمة الاقتصادية الضاغطة والانهيار المالي؟.. وما هو النظام الذي يحقق الاستقرار للبنان كوطن لكل أبنائه على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم؟.. وماهي الإجراءات التي تساهم في الحد من تداعيات صراعات ومصالح إقليمية ودولية محيطة بنا؟…

إلا أن في الآونة الأخيرة تصدرت عناوين أخرى لا تقل أهمية عما سبقها، بل قد تكون منطلقاً أساسياً لكل هذه التحديات والتطلعات. ولعل العنوان الأبرز: ما هو الدور والوظيفة لهذا الكيان مع إنتهاء المئوية الأولى لإنشاء دولة لبنان الكبير، وفي ظل المتغيرات الإقليمية والدولية؟.

أعتقد أنه قد آن الأوان، كى نعترف  أن حل الأزمات في لبنان ، أكبر من قدراتنا، وأن المسألة الرئيسية هى القدرة على إدارة هذه الأزمات بأقل تكلفة إجتماعية وإقتصادية  ممكنة على المجتمع اللبناني المنقسم على نفسه.

 وهذا ليس قدحاً ولا ذماً بحق المكونات اللبنانية، وليس إاستخفافاً بقدرات وأداء السلطة السياسية، “التي كانت وما زالت من أولوياتها تقوية نفوذها الحزبي والشخصي على حساب المصلحة العامة اللبنانية”. وليست دعوة لاستبدالها بأخرى لأن هذا لن يغير الكثير من الواقع الذي يحيط بنا.   

 بل هي نظرة موضوعية للأزمة اللبنانية، والمتمثلة فى اختلال موازين القوى بين المكونات السياسية الموروثة منذ عهود. وخاصة منذ العام 2011 حيث الاضطرابات السياسىة والأمنية التي عصفت بمحيطنا العربي.  بالإضافة إلى الأزمات الضاغطة والملحة على المستوى اللبناني من إنهيارإقتصادي وتراجع للإحتياط االنقدي، بالرغم من المساعدات الدولية والخليجية، التي تآكلت بإرادة وسوء إدارة موصوفة… فضلا عن تداعيات جائحة كورونا الاقتصادية التي أرخت بظلالها على المستوى المحلي والإقليمي والدولي. 

وبالعودة الى  الإدارة والإرادة، فإنهما كلمتان متساويتان بالرغم من إختلاف المعنى، لكنهما متلاصقتان ولا يتم  أى عمل بدونهما .فالإرادة المسلوبة والمفقودة عند أكثر المتصدرين للعمل السياسي في لبنان، أثرت بشكل كبير على عدم تحقيق العديد من المبادرات والتطلعات المحلية والتي أصبحت فيما بعد مطلباً محلياً ودولياً. بدأ من مبدأ النأي بالنفس مروراً برفض الشوائب التي رافقت التسوية الرئاسية،  وصولاً إلى خارطة الطريق التي أطلقت في اليوم الثاني لبدء الحراك الشعبي في 17 تشرين أول 2019م. على لسان مرجعية حكومية وعبر وسائل الإعلام المحلية والدولية.

كان من المفترض أن تسبق أي إدارة لهذه التطلعات. إرادة صادقة هى دائماً بداية للقيام بالمهام والأعمال المطلوبة التي تحمل في طياتها عوائق ومصاعب آنية ومستعصية. ثم تأتى الإدارة من بعدها، للتلعب دور المساعد  وفي الوقت المناسب لتحقيق ما نريد بأفضل الطرق والإمكانات المتاحة وبأقل تكلفة..

من هنا، كانت المبادرة الفرنسية محطة إجماع وإرتياح ( ولو بالشكل ) لدى كل القوى اللبنانية،  لما تمثل من إرادة دولية وإدارة آنية، في وقت لم يكن يوجد في الأفق أي مبادرة أخرى مطروحة للحل. والتي جاءت في ظل غياب إرادة، وعجز إدارة محلية لم تستطع أن تشكل أي عمل أو إجراء لوقف الانهيار، لحين اتضاح المشهد الإقليمي والدولي.

 كان اللبنانيون يتطلعون إلى هذه المبادرة  بعين الأمل والرجاء، بأن تساهم في إيجاد إدارة ذات إرادة صادقة، تتمثل بتكليف حكومة قادرة على استعادة الثقة في الداخل والخارج، لأنه لا سبيل للنهوض بلبنان دون مساعدة المؤسسات المالية الدولية والمجتمع الدولي وخاصة الدول العربية ؛ لكن هذه الحكومة العتيدة  لم تولد لغاية تدوين هذه الكلمات.  لأن إرادة الطبقة السياسية الحاكمة مسلوبة أو مفقودة وهي بإدارة ذهنية إلغائية ومنظومة معطِّلة، لحسابات شخصية واستحقاقات سياسية.

والسؤال الذي يطرح نفسة اليوم، هل من إرادة صادقة، تواكب الفرصة الأخيرة التي تتمثل بزيارة وزير الخارجية الفرنسية إلى لبنان. وهل من إدارة فطنة تواكب التطورات المتسارعة في العلاقات الإقليمية والمفاوضات الدولية.

لعل أول ما يجب فعله على  المدى القريب والعاجل، إحياء المبادرة السياسية الذي أطلقاها رئيس كتلة الوسط المستقل والتي من شأنها تفعيل المبادرة الفرنسية الوحيدة. بتشكيل حكومة (14 – 6 ) تكنوسياسية، تحظى بثقة  اللبنانيين  والطبقة السياسية، وبمعاييرمقبولة إقليميًّا وعربيًّا . وهذا تحدٍّ كبير لكل القوى الثورية والسياسية والطغمة الحاكمة الحالية.


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal