في 26 نيسان قبل 732 عاما.. تحررت طرابلس من الصليبيين!… غسان ريفي

لتاريخ 26 نيسان منذ 732 عاما وحتى اليوم حكايات من البطولات والتضحيات والانتصارات في طرابلس التي ما يزال أبناؤها يتغنون ويفخرون بتحريرها من إحتلال الافرنج الصليبيين الذين إستمر جاثما على صدرها لأكثر من مئة عام.

في مثل هذا اليوم من العام 1289 دخل السلطان المملوكي المنصور قلاوون الى طرابلس فاتحا ومحررا، وذلك بعد أن خاض جيشه معركة ضارية مع الصليبيين إستمرت 33 يوما شهدوا على حصار المحتلين داخلها ومن ثم إجبارهم على الهروب منها عبر السفن الى قبرص ومنها الى بلادهم الأوروبية.

مع تحرير طرابلس من الصليبيين، بدأت حقبة جديدة من تاريخ الفيحاء بما يُعرف بالعصر المملوكي، حيث أمر السلطان قلاوون بهدم المدينة القديمة في الميناء ونقل حجارتها الى الداخل (عمق طرابلس) بمسافة ثلاثة كيلومترات، وأعلن ولادة طرابلس المملوكية التي ما تزال قائمة الى الآن منذ 732 عاما وهي تشكل خزانا من الحضارة والعمارة الهندسية الرائعة، وكنزا أثريا يتمثل بالمساجد والخانات والحمامات والأبنية والعقود الحجرية والمحلات التجارية التي بالرغم من طابعها الأثري ما تزال تستخدم من قبل المواطنين ما دفع وزير الثقافة السابق الراحل ميشال إدة قبل نحو 25 عاما الى إطلاق إسم “المتحف الحي” على طرابلس القديمة.

حافظت طرابلس القديمة على طابعها المملوكي المتكامل، لكن آثارها تعرضت لاعتداءات كثيرة أدت الى هدم بعضها، وخصوصا إثر طوفان نهر أبو علي في  خمسينيات القرن الماضي والذي أتى على “خان المنزل” و”جسر اللحامين” وبعض الابنية السكنية، ولم تكن المشاريع التي نفذت إثر الطوفان على مستوى أهمية الواقع الأثري للمدينة، فأطاحت بمحلة السويقة وهي أول محلة أسسها المماليك، وبجزء كبير من قلب المدينة القديمة عبر إنشاء مجرى النهر الباطوني الذي جاء على حساب أكثر من ألفي مبنى ومحل أثري من تلك الحقبة التاريخية، فضلا عن شق الطرقات التي تلت ذلك في المدينة الأثرية لا سيما في الاسواق لتسهيل حركة المرور.

فكرة إحياء الذكرى

فكرة الاحتفال بذكرى التحرير كانت لمؤرخ طرابلس الدكتور عمر تدمري، عندما قدم دراسة الى المجلس البلدي في عهد الرئيس الراحل العميد سمير شعراني، عرض فيها لأهمية يوم تحرير طرابلس، لافتا الانتباه الى أن لكل مدينة تاريخية عريقة يوم يصار الى الاحتفال فيه بمناسبة تحريرها أو تأسيسها، وتعتبر طرابلس من اهم هذه المدن، وإقترح تخصيص يوم 26 نيسان من كل عام للاحتفال بهذه المناسبة، وفتح كل آثار المدينة مجانا أمام المواطنين وتعطيل المدارس والمؤسسات والدوائر البلدية وإقامة المهرجانات التراثية والمسابقات العلمية والامسيات، وذلك تأكيدا على أهمية هذا اليوم في تاريخ طرابلس.

منذ ذلك الوقت تحرص البلدية في كل عام على إحياء يوم تحرير طرابلس، عبر إقامة الاحتفالات، وفتح أبواب القلعه مجانا أمام الزوار، لكن في منذ العام الفائت

وقفت جائحة كورونا حائلا دون القيام بأية نشاطات لاحياء ذكرى التحرير، باستثناء فتح القلعة الأثرية أمام الزوار.

تقول المعلومات التاريخية: إن طرابلس تأسست عبر التاريخ مرتين، المرة الأولى في العصر الفينيقي وكان مركزها الميناء، والمرة الثانية وهي القائمة حاليا في عصر المماليك على يد المنصور قلاوون، بعد أن حررها من الافرنج الصليبيين ونقلها الى الداخل بعمق 3 كلم، لكي تكون بعيدة عن هجمات الصليبيين والقراصنة المتكررة على الساحل.

قصة التحرير

كانت طرابلس عاصمة للمسلمين، وأنشئ فيها في عهد بني عمار مكتبة دار العلم التي عرفت في التاريخ، وضمت 3 ملايين كتاب ومخطوط، وقد جاء الافرنج مع الحملات الصليبية فاحتلوا كل الساحل الشامي، وأحرقوا هذه المكتبة وإحتلوا طرابلس التي بقيت اكثر من مئة عام تحت سيطرتهم وأصبحت مركزا لـ “الكونتية الصليبية” في الشرق، وإستعصت على الظاهر بيبرس وعلى صلاح الدين الأيوبي، وغيرهم من القادة المسلمين حتى وصل المنصور قلاوون الذي إستطاع أن يحررها.

بعد أن حرر صلاح الدين الأيوبي القدس، هاجم المنصور قلاوون طرابلس وحاصرها لمدة 33 يوما، ونصب الخيم في التلة المشرفة على المدينة، كما نصب قبته السلطانية، ومن وقتها أطلق على تلك التلة إسم “قبة النصر”، حتى تمكن جنوده من فتح ثغرة في السور الصليبي والدخول الى المدينة، وحاصروا الصليبيين بداخلها الى أن فرّوا عبر البحر هربا بالبواخر نحو قبرص ومنها الى أوروبا.

ويذكر المؤرخون أن معارك ضارية جرت وسط البحر في المسافة الواقعة بين شاطئ الميناء وجزيرة البقر، وان لون البحر أصبح أحمرا من كثرة الدماء التي سالت من الجنود الصليبيين.

خضعت طرابلس بعد ذلك للمنصور قلاوون الذي أشار عليه قادته العسكريين أن يهدم الميناء وأن ينقل الحجارة الى الداخل بعمق 3 كلم، ليبني مدينة جديدة منظمة، تقع تحت سفح القلعة وتكون بعيدة عن الشاطئ لحماية المدينة من الهجمات المعادية المتكررة.

واول ما تأسس في المدينة هو الجامع المنصوري الكبير الذي بناه ولدا المنصور قلاوون، ناصر والأشرف خليل، ومن ثم اعيد بناء القلعة وتحصينها، وتم بناء سائر الأسواق المتخصصة والأبراج السبعة لمراقبة الشاطئ ومنع الاعتداء من الاقتراب، وهي لم يبق منها سوى برج برسباي (السباع) في مدينة الميناء.


مواضيع ذات صلة:


Post Author: SafirAlChamal