عون والتدقيق الجنائي: مسألة حياة أو موت… عبد الكافي الصمد

أكثر من رسالة أراد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن يبعثها، مساء أمس، عندما غرّد عبر صفحته على تويتر: “الفاسدون يخشون التدقيق الجنائي، أمّا الأبرياء فيفرحون به”، في إشارة ضمنية منه إلى أن التدقيق الجنائي يسير، أو يجب أن يسير، وفق المنحى المرسوم له، والوصول إلى غايته المرجوة، في كشف الفساد والفاسدين، وفي استعادة الأموال المنهوبة، وإرساء دولة الشفافية.

هذا التشبّث من قبل عون وفريقه السّياسي بالتدقيق الجنائي، وشنّه هجوماً سياسياً حادّاً على القوى السّياسية المعارضة أو المتحفظة عليه، يعود إلى جملة عوامل، أبرزها أنّ الجنرال ينظر إلى التدقيق الجنائي على أنّها معركته الأخيرة، مع اقتراب ولايته على نهايتها، وأنّ نجاحه فيها مسألة حياة أو موت، بعدما تعثرت أغلب الأفكار والطروحات والمشاريع التي سعى إليها منذ تسلّمه مقاليد الرئاسة قبل أربع سنوات ونيّف.

يعرف الجنرال في قرارة نفسه أنّ كثيرين لا مصلحة لهم في وصول التحقيق الجنائي إلى النتائج التي يسعى إليها، وهي كشف الفساد والفاسدين، لأنّ هكذا نتيجة ستعني بكلّ بساطة وضع رؤوس كثيرة تحت المقصلة السّياسية، وانتهاء الحياة السّياسية لأشخاص وأطراف وقوى سياسية عديدة، سواء باعتزالهم العمل السّياسي بعد فضحهم، أو سوقهم إلى المحاكم ووضعهم خلف القضبان، وأنّ هكذا خلاصة سيجعل القوى المتضرّرة من التدقيق الجنائي يحاربونه بكل ما أوتوا من قوّة، وبكل الوسائل المتاحة.

لكنّ معركة التدقيق الجنائي التي يخوضها الجنرال بقوّة تطرح حولها أسئلة وعلامات إستفهام كثيرة، أبرزها هل يستطيع عون مواجهة القوى المعارضة أو المتضرّرة منه، وهل يمتلك العدّة السّياسية والقضائية والإعلامية الكافية للسير بهذا التدقيق حتى نهاية المطاف، وكيف سيتجاوز المطبّات الكثيرة التي ستعترضه، وما موقفه في حال تورّط مقربون منه ومحسوبون على تيّاره في التدقيق الجنائي، وهل يملك الجنرال أو وضع خطّة لمواجهات واحتواء تداعيات التدقيق الجنائي وتبعاته؟

أغلب هذه الأسئلة لا أجوبة واضحة عليها بعد، لأنّ عون وفريقه السّياسي يعتبرون مجرد وصول التدقيق الجنائي إلى خاتمته السعيدة إنجاز كبير سيحسب لهم،  وسيسحب البساط من تحت كثيرين، وخصوصاً حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي اتهمه عون يوم الأربعاء الماضي، في خطاب وجهه إلى اللبنانيين، بأنّه “يتحمّل المسؤولية عن الأزمة المالية في لبنان وعن تعطل تدقيق جنائي يُعد شرطاً رئيسياً لتقديم مساعدات أجنبية تشتد حاجة البلاد إليها”.

بموازاة ذلك، فإنّ معارضي عون يرون أنّه بمواقفه الأخيرة بات يُقدّم التدقيق الجنائي على تأليف الحكومة، وهو أمر لا يستقيم سياسياً برأيهم، لأنّه من دون حكومة لا يمكن للتدقيق الجنائي أن يُنجز ويحقق الآمال المعقودة عليه، وكذلك لا يمكن أن يحصل لبنان على مساعدات مالية بلا وجود حكومة يتوجب عليها قبل أي أمر آخر إجراء إصلاحات تشريعية ضرورية.

وكان لافتاً أنّ الإعتراض على طموح عون وعقده الآمال على التدقيق الجنائي جاءه من داخل البيت الماروني، وتحديداً من رأس الكنيسة المارونية البطريرك بشارة الراعي، الذي اعتبر في عظة أمس الأحد، أنّ جدية طرح التدقيق الجنائي “هي بشموليته المتوازية لا بانتقائيته المقصودة”، مؤكداً: “أصلاً، لا تدقيق جنائياً قبل تأليف حكومة”.


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal