حياد لبنان.. خيار استراتيجي بين نقيضين (2)… صبحي عبدالوهاب

تنشر ″سفير الشمال″ على حلقات كل يوم ثلاثاء دراسة حول طرح ″الحياد″ أعدها الباحث صبحي عبدالوهاب،  وفيما يلي الحلقة الثانية..

زار البطريرك بشارة الراعي في يوم الأربعاء الواقع فيه (15 الخامس عشر من تموز 2020) رئيس الجمهورية العماد عون مرة أخرى وأشار الى أنه  إعتاد من  وقت الى آخر اللقاء معه للتباحث في الشؤون ذات الاهتمام المشترك وللتكلم  في مواضيع عدة، وأهمها مسألة  الحياد والتحييد وقال: “إنكم جميعا تتذكرون ان فخامة الرئيس تقدم بمشروع صوتت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة لجعل لبنان مركزا لـ”أكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار”، وان هذا الحوار والتلاقي لا يكونان بمجرد الكلام بل من خلال الأفعال. والقاعدة لذلك هي أن يكون لبنان حيادياً كي يتمكن من أن يكون مكاناً للحوار. وهذا الأمر لا خلاف عليه على الإطلاق. أما إذا كان لبنان غير حيادي، بمعنى أن يدخل اليه أي كان، فيما هو يسير في هذا الإتجاه أو ذاك، فهذا غير مقبول”.

وأضاف الراعي  متسائلاً عن معنى الحياد لافتاً الى أنه “لا يعني أن أتنحى جانباً ولا أتعاطى بأي أمر. بل المقصود الحياد الإيجابي المفيد والناشط، حيث أن لبنان إذا ما تمتع بنظام حيادي يشبه حياد سويسرا والنمسا وفنلندا والسويد، فهو يلتزم بالقضايا العامة للعالم العربي من دون الدخول في شؤون الصراعات السياسية والعسكرية أو في أية أحلاف، ويكون المدافع الأول والمعزز للعدالة والسلام والتفاهم في القضايا العربية والدولية. بالإضافة طبعاً الى أننا نستثني دائماً إسرائيل التي بيننا وبينها عداوة. ولبنان يحمل القضية الفلسطينية بكاملها لأنها قضية حقوق للفلسطينيين، كذلك الأمر بالنسبة الى القضايا العربية المشتركة البعيدة عن الشؤون السياسية والعسكرية، فيكون لبنان المعزز لها. ولا ننسى أن لبنان كان طوال تاريخه يلعب دور الجسر الثقافي والحضاري والإجتماعي بين الشرق والغرب، وبيننا وبين أوروبا. وقد حملنا تراث الشرق الى الغرب وأتينا بتراث الغرب الى الشرق.  هذا هو لبنان ودوره الذي لا يمكنه أن يقوم به إذا لم يكن حياديًّا. وأن لبنان حيادي بطبيعته وإنطلاقته، من دون أن يكون ذلك مدوناً في نصوص. وعندما كان كذلك، يوم لم يكن يتدخل في الصراعات وفي الأمور المحلية للدول، كان في الخمسينيات والستينيات يُعرف بسويسرا الشرق، حيث كان يتمتع بالنمو والبحبوحة، ما يعني أن تكوين لبنان في الأساس كان حيادياً. ولا يجب إعتبار الحياد موجهاً ضد أحد على الإطلاق، بل هو لصالح جميع اللبنانيين، وجميع الفئات والأحزاب والمكونات اللبنانية لأنه يجلب الإستقرار السياسي الى الوطن، ونحن عندما نتكلم على الحياد، فهذا يعني أن هناك دولة قوية وجيش قوي، لأن من أولى شروط نظام الحياد ان تكون الدولة قادرة على حماية نفسها بنفسها إذا ما إعتدى أحد عليها”.

ومن ثم تحدث الكاردينال الراعي  لموقع “فاتيكان نيوز” فتضمنت مقابلته هواجس الخوف من المخاطر المحيطة بلبنان ملتقى الديانات والمذاهب التي تعيش بإنتظام بحسب الدستور والميثاق الوطني وإتفاق الطائف.  ولكن الجديد في هذه المرحلة هو أنه يوجد نوع من هيمنة  لحزب الله على الحكومة وعلى السياسة اللبنانية بسبب الدخول في حروب وأحداث عربية ودولية، لبنان لا يريدها بالأساس. وهذا يخلق مشكلة وأزمة سياسية وإقتصادية ومالية ومعيشية حادة وكبيرة للغاية يعيشها اللبنانيون. ولا يمكن البقاء في ذلك، لبنان في الأساس هو كما أراده البطريرك الحويك دولة مدنية تفصل بين الدين والدولة ثم أتى الميثاق 1943 ليقول اننا  نريد أن نعيش معا لبنانيين مسلمين ومسيحيين من دون أية عداوة للشرق أو للغرب وجاء إتفاق الطائف 1989 ليكرس هذا الميثاق. لكن بعد ذلك صارت هناك  إنحرافات. ونحن نقول اليوم من أجل خير كل اللبنانيين دون إستثناء لا خلاص للبنان إلا بإعلان نظام الحياد الفاعل والحياد الإيجابي الملتزم، وهذا يخرجنا من هيمنة أية فئة من أية جهة لبنانية ويخرجنا من نزاعات وصراعات سياسية أو عسكرية إقليمية أو دولية. هذا النظام الحيادي الفاعل والمفيد يعني أن يكون لبنان فاعلاً وملتزماً في الدفاع عن قضايا السلام وعن الإستقرار في المنطقة وعن قضية الشعوب وعن القضية الفلسطينية وعن قضايا العرب من دون أن يدخل في أحلاف سياسية أو أحلاف عسكرية ويلعب دوره التاريخي كجسر ثقافي وتجاري بين الشرق والغرب. هذا الواقع اللبناني اليوم مهدد لأننا اليوم متروكون من البلدان العربية وخاصة الخليج ومتروكون من أوروبا وأميركا لأن الجميع يقول لا نستطيع أن نساعد لبنان لأننا بمساعدة لبنان نحن نساعد حزب الله، لأنه يسيطر على البلاد.

(الحلقة الثالثة يوم الثلاثاء المقبل..)


مواضيع ذات صلة:


 

 

Post Author: SafirAlChamal