أزمة تأليف الحكومة تعيد الجامعة العربية إلى لبنان بعد 32 عاماً… عبد الكافي الصمد

لم ينتبه كثيرون، في اليومين الماضيين، وسط ضجيج السّجال بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري حول أزمة تأليف الحكومة، إلى النداء الصادر عن جامعة الدول العربية، أول من أمس الإثنين، الذي دعت فيه جميع الأفرقاء السّياسيين في لبنان إلى “إعلاء المصلحة الوطنية، والعمل بشكل سريع على إنهاء حال الإنسداد السّياسي الذي فاقم من معاناة الشّعب اللبناني”.

ولفت الأمين العام المساعد السفير حسام زكي، الذي أذاع النّداء، بأنّ الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط “يستشعر قلقاً كبيراً جرّاء ما تشهده السّاحة السّياسية في لبنان من سجالات توحي بانزلاق البلاد نحو وضع شديد التأزّم، ملامحه باتت واضحة للعيان”، مبدياً “إستعداد الجامعة العربية للقيام بأيّ شيء يُطلب منها لرأب الصدع الحالي، وصولاً إلى معادلة متوافق عليها تمكّن الرئيس المُكلّف من تشكيل حكومته دون تعطيل، وفق المبادرة الفرنسية التي أيّدها مجلس الجامعة في اجتماعه الأخير في 3 آذار الحالي، حكومة تستطيع أن تعمل بمهارة الإختصاصيين على إنقاذ لبنان من وضعه المأزوم الحالي عبر تنفيذ إصلاحات ضرورية تلبّي تطلعات ومطالب الشعب اللبناني”.

أعاد هذا النّداء اللبنانيين بالذاكرة إلى الوراء قرابة 32 عاماً، عندما تدخّلت الجامعة العربية حينها لحلّ الأزمة اللبنانية، التي تفاقمت على نحو خطير سياسياً وأمنياً، بعد انقسام البلاد بين حكومتين، إحداهما برئاسة سليم الحص الذي تسلّم رئاسة الحكومة بالوكالة في أعقاب اغتيال رئيس الحكومة الراحل رشيد كرامي في 1 حزيران عام 1987؛ والثانية برئاسة قائد الجيش حينها العماد ميشال عون الذي ترأس حكومة عسكرية تسلمت السلطة من رئيس الجمهورية أمين الجميل، قبل 15 دقيقة من انتهاء ولايته في 22 أيلول 1988.

ففي 12 كانون الثاني 1989 شكّل مجلس الجامعة العربية لجنة سداسية لهذه المهمّة، مكوّنة من وزير خارجية الكويت صباح الأحمد الصباح (رئيساً) ووزراء خارجية كلّ من الأردن والجزائر والسّودان وتونس والإمارات، قبل أن تنتقل المهمّة، بعد قرابة 4 أشهر، إلى لجنة ثلاثية كُلّفت من قبل القمّة العربية التي عقدت في مدينة الدار البيضاء المغربية، في 26 أيّار 1989، مكوّنة من العاهل السعودي الملك فهد بن عبد العزيز، والعاهل المغربي الملك الحسن الثاني والرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد، وأعطيت مهلة 6 أشهر لإيجاد مخرج للأزمة اللبنانية، وهو ما تمّ التوصل إليه في اتفاق الطائف في 30 أيلول 1989، الذي أُقر في جلسة نيابية عقدت في 22 تشرين الأول 1989، بعدما كان المجلس النيابي قد انتخب رينه معوّض رئيساً للجمهورية في جلسة عقدت في مطار القليعات قبل ذلك بـ17 يوماً.

سرد هذه الوقائع ليس للتذكير بماضٍ يعرفه الجميع، لكن للفت الإنتباه إلى أنّ الأزمة الحالية في لبنان، التي تحوّلت من أزمة شخصية إلى سياسية إلى دستورية إلى أزمة حكم، كما حصل بين عامي 1988 ـ 1990، تنذر بأنّ الأوضاع مقبلة على تطوّرات صعبة ومعقدة، وأنّ الجامعة العربية إستشعرت الأمر مسبقاً، فأطلقت نداءها عسى أن تفلح المساعي في إخراج البلد من أزمته، قبل أن يُكرّر التاريخ نفسه مرّة ثانية، لكن هذه المرّة سيكون تراجيدياً أكثر من المرّة السابقة.

ما أشبه اليوم بالبارحة.


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal