هذا هو الفارق.. بين مزرعة السلطة اللبنانية والدول التي تحترم نفسها!… غسان ريفي

يتحسّر اللبنانيون على وطنهم الذي يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة، وعلى تحولهم فيه الى لاجئين يعيشون على المساعدات العينية والمادية من الدول المانحة، فيما الكوارث تهدد يومياتهم من كل حدب وصوب ماليا وإقتصاديا وإجتماعيا وإنسانيا وأمنيا وصحيا وكهربائيا وبيئيا، إضافة الى التهديد اليومي بالفلتان والفتن والتوترات والحرب الأهلية.

هذه الحسرة تزداد وتكبر عندما يُجري اللبنانيون مقارنة بسيطة بين ما يحصل في الدول المحيطة ببلدهم أو البعيدة عنه، وبين ما تشهده دولتهم المزرعة الطائفية ـ السياسية ـ المصلحية التي بالرغم من تفككها وتحللها، لم يشبع القيمون عليها من نهش ما تبقى من مقدراتها ومن تناتش حصصها، كالأكلة تتحلق حول جثة فريستها!..

في الأردن توفي ستة مرضى مصابين بكورونا في مستشفى السلط نتيجة إنقطاع الأوكسجين، فقامت الدنيا ولم تقعد، سارع الملك عبدالله الثاني الى المستشفى ليستطلع بنفسه ما حصل، إستقال وزير الصحة نذير عبيدات معلنا تحمله المسؤولية القانونية والمعنوية والأخلاقية، فيما سارع رئيس الحكومة بشر الخصاونة بأمر ملكي الى إجراء تحقيق شفاف وشامل لتحديد المسؤوليات في أسرع وقت ممكن.

وفاة ستة مواطنين أردنيين كانت كفيلة بإعلان ما يشبه حالة طوارئ في البلاد، إنطلاقا من حسّ بالمسؤولية الوطنية تجاه شعب أعطى ثقة لحكامه لتأمين حياة كريمة له، فإما أن يكونوا على قدر هذه الثقة ويستمروا أو أن يفشلوا ويستقيلوا، في وقت يتراكم فيه الفشل في لبنان على صعيد مواجهة كورونا حيث عادت عدّادات الوفيات والاصابات الى الارتفاع، ودخلت اللقاحات في البازار السياسي، فيما يكتفي الوزير الذي يصرف الأعمال بالتنظير شأنه شأن حكومته.

في لبنان وفي التاريخ المشؤوم 4 آب 2020، دُمّرت العاصمة الأميرة بيروت بإنفجار مئات الأطنان من نيترات الأمونيوم المخزنة بشكل مخالف لكل القوانين في مرفئها، وإستشهد أكثر من 200 مواطن وجرح أكثر من ستة آلاف، وتشرد أكثر من 300 ألف، فجاءت النتيجة بعد سبعة أشهر أن عوائل الشهداء ما يزالون يستوطنون الشوارع للمطالبة بمعرفة حقيقة ما حصل ومن تسبب بقتل أولادهم وتشريدهم وتدمير مدينتهم، فيما السياسة ما تزال تتلاعب بالقضاء تارة برسم خطوط حمر حول مشتبه بتقصيرهم، وتارة أخرى بعزل المحقق العدلي لـ”لارتياب المشروع”، وطورا بتعيين محقق عدلي جديد ما يزال يدرس ملف القضية المؤلف من آلاف الصفحات.

وقع إنفجار مرفأ بيروت الذي صُنّف ثالث أقوى إنفجار في العالم، بينما صٌنّف تعاطي المسؤولين اللبنانيين معه كأسوأ تعاط في العالم.. حيث استدعى رئيس الجمهورية ميشال عون الصحافيين الى قصر بعبدا ليعلن أنه تبلغ بوجود نيترات الأمونيوم في 21 تموز أي قبل 14 يوما من الانفجار، وأنه قام بإبلاغ من يعنيهم الأمر “وكفى الله المؤمنين شر القتال”، عازيا عدم تدخله الى غياب صلاحيات الرئاسة التي لا تستطيع مخاطبة موظفين من درجات دنيا للقيام بواجباتهم.

في الوقت الذي كان يفترض برئيس الجمهورية ميشال عون إعلان حالة طوارئ وإستدعاء كل المسؤولين بالدولة لاتخاذ كل التدابير الكفيلة بإنقاذ العاصمة وأهلها كما من المفترض أن يحصل في أي دولة، إكتفى بالتبلغ والتبليغ، تماما كما تبلغ بأن الدولار تجاوز العشرة آلاف ليرة فاكتفى بسؤال حاكم مصرف لبنان عن السبب قبل أن يحمل المسؤولية الى منصات إلكترونية خارجية، وتماما كما تبلغ من وزير الطاقة بأن لبنان سيغرق بالعتمة الشاملة مع نهاية شهر آذار.

أما إستقالة الحكومة فهي كانت لذر الرماد في العيون، وهي لم تكن بسبب إنفجار بيروت بقدر ما كانت بفعل خطأ سياسي إرتكبه رئيسها بحق من أتى به ودفع ثمنه إستقالة.

ما بين دول العالم ومزرعة السلطة في لبنان، مسافة بين السماء والأرض، بين من يتحمل مسؤولية شعبه ويعمل على نجدته وتأمين الحياة الكريمة له، وبين من يستعملهم ويقتلهم ويجوعهم وينتقم منهم، ثم يمضي وقته إما في إجتماعات لا طائل منها أو في تصفية حسابات سياسية للحصول على مكاسب إضافية، أو في الراحة والنوم.


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal