قراءة في المشهد السياسي.. الحكومة الى ما بعد معركة مأرب؟!… غسان ريفي

هو الفشل يفرض نفسه في لبنان ويهوي به وبأهله الى الدرك الأسفل من الانهيار، حيث بات الجميع يقف على باب جهنم التي سبق وبشّر بها رئيس الجمهورية ميشال عون اللبنانيين.

السلطة التي ما تزال تختلف على “جنس الحكومة” تواجه فشلا متعدد الأوجه في معالجة الأزمات التي ترخي بثقلها على اللبنانيين، حيث حمّلت مسؤولية الارتفاع الهستيري لسعر صرف الدولار الأميركي للمنصات والتطبيقات التي تعمل في الخارج، بدل من أن تسارع الى طرح الحلول العملانية والميدانية لضبط هذا التدهور.

في حين تعجز هذه السلطة عبر وزارة الاقتصاد عن ضبط سوق السلع المدعومة التي تحولت سببا في تقاتل اللبنانيين في “السوبرماركات” على “كيس حليب” من هنا و”غالون زيت” من هناك، ليكتمل المشهد المأساوي بخروج وزير الطاقة ريمون غجر على المواطنين بعد لقائه رئيس الجمهورية أمس، ليبلغهم بأن العتمة الشاملة ستفرض نفسها نهاية الشهر الجاري بسبب عدم القدرة على شراء الفيول لمعامل التوليد والمازوت للمولدات الخاصة، وأن الرئيس قد إستمع إليه وأخذ علما بذلكّ.. وبالطبع لم يحرك ساكنا، إضافة الى الفشل في مواجهة الأزمات الأمنية والصحية والدوائية والاجتماعية والانسانية التي تضع لبنان في عداد الدول الفاشلة.

في المقابل، فإن التحركات الشعبية التي إنطلقت مع تجاوز سعر صرف الدولار العشرة آلاف ليرة، قد باءت أيضا بالفشل، حيث غاب المحتجون وحضرت الاطارات المشتعلة ومستوعبات النفايات وشاحنات الرمل، وبدا كأن الأشباح هي من تتولى قطع الطرقات والتي جاءت كتعويض عن عدم القدرة على تأمين حشود المحتجين في الساحات من ساحة رياض الصلح في بيروت الى ساحة عبدالحميد كرامي في طرابلس الى ساحة العبدة في عكار، وبالتالي فإن الدولار بقي على إرتفاعه بينما هدأت الاحتجاجات التي كانت بمثابة “زوبعة في فنجان”.

في ظل هذا الفشل الرسمي والشعبي، شكلت كلمة قائد الجيش العماد جوزاف عون “بقعة ضوء” في الظلام اللبناني الدامس، كونها جاءت لتحاكي تطلعات اللبنانيين، ولتضع الأصبع على الجرح، وتحمل الدولة المسؤولية الكاملة تجاه المؤسسة العسكرية صمام أمان البلاد، وتكشف عن الخلل والاهمال المتمادي في التعاطي الرسمي مع المؤسسة العسكرية مع التأكيد بأن ذلك لن يضعف من عزيمة الجيش ولن يدفعه الى التراجع عن آداء مهماته، وفي ذلك تشديد من العماد عون بأن الجيش يتفهم أوجاع المواطنين ومعاناتهم وهو ملتزم بصون حرية التعبير من دون السماح بالاعتداء على الأملاك العامة أو المسّ بالاستقرار الداخلي.

ومن المفترض أن يناقش مجلس النواب اليوم إقتراح قانون معجل مكرر قدمه النائب علي حسن خليل يقضي بإعطاء ضباط وعناصر الجيش والأجهزة الأمنية مبلغ مليون ليرة شهريا كدفعة على غلاء المعيشة.. وبغض النظر عن أحقية المؤسسات الأمنية بهذه السلفة إلا أنها فتحت بابا من السجالات قد لا يُقفل حيث يرى البعض ذلك عبارة عن رشوة للجيش لقمع التحركات الشعبية، في حين يعتبر البعض الآخر أن السلفة قد تضرب إسفينا بين الجيش والمحتجين بعد فترة طويلة من التناغم بينهما، كما يرى آخرون أن ما يحصل هو عملية ترقيع وأن غلاء المعيشة يجب أن تطال كل الموظفين الذين يتجه قسم منهم الى الاضراب اليوم، فيما يحذر متابعون من البدء بالزيادات التي تؤشر الى تضخم كبير من شأنه أن يضاعف من إنهيار العملة اللبنانية.

في غضون ذلك، ما تزال الحكومة تراوح مكانها من دون أي تقدم في المفاوضات التي يتولاها اللواء عباس إبراهيم وتقضي بـ 18 وزيرا من دون ثلث معطل وبتفاهم الرئيسان ميشال عون وسعد الحريري على وزير الداخلية، حيث تشير مصادر مواكبة الى أن بكركي توافق على هذه المبادرة، خصوصا بعد التراجع التكتيكي عن مواقفها حيال الحياد والمؤتمر الدولي، حيث أفضت جلسة الحوار الأولى بين بكركي وحزب الله الى التأكيد بأن الفكرتين (أي الحياد والمؤتمر الدولي) مطروحتين للنقاش، ولا يعد لهما أي داع في حال توافقت الأطراف اللبنانية على تشكيل حكومة تتولى الانقاذ الاقتصادي وتبدأ بمسيرة الاصلاحات التي على أساسها ستصل المساعدات تباعا الى لبنان.

بالرغم من التحذير الفرنسي الشديد اللهجة من وزير الخارجية جان إيف لودريان الذي إتهم المسؤولين اللبنانيين بـ عدم تقديم المساعدة الى بلدهم الذي يواجه اخطار الانهيار، ما تزال الطريق مقطوعة بين بيت الوسط وقصر بعبدا بإنتظار من يبادر الى إزالة بعض العوائق وفتح مسرب للتواصل، حيث ترى مصادر مواكبة أن الخلاف الداخلي قائم لكن ما يزيد من تعقيداته هو الاشتباك الاقليمي الذي يبلغ ذروته على الخط الممتد من سوريا الى السعودية فاليمن.

وترى هذه المصادر أن الحريري ما يزال ينتظر الضوء الأخضر السعودي للاقدام على تشكيل الحكومة، وهو أبدى رغبة بلقاء القيادة السعودية وتوسط المصريين لذلك، وأن وزير الخارجية المصري سامح شكري أبلغه بأنه سيتم إستقباله في المملكة على أن يلتقي وزير الخارجية فيصل بن فرحان لكن الحريري رفض الأمر وإشترط اللقاء مع بن سلمان، فكان الجواب الرفض، والرد ببيع أملاك شركة أوجيه في المزاد العلني جبريا.

في حين ترى مصادر أخرى، أن لا قطيعة بين المملكة والحريري خصوصا أنه مواطن سعودي، وأن هناك إشكالا شخصيا سابقا تم حله بينه وبين ولي العهد محمد بن سلمان، لكن السعودية المنشغلة بملف اليمن والتسوية الجارية، تتقصد عدم إستقبال الحريري أو التواصل معه، لكي لا تظهر بأنها هي من تعرقل تشكيل الحكومة، وتقف بوجه المبادرة الفرنسية، والدعم الروسي والرضى الأميركي.

لذلك فقد سأل أحد الخبثاء: هل سترحّل ولادة الحكومة اللبنانية الى ما بعد معركة مأرب في اليمن؟..


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal