وداعا جان عبيد.. أيها الراقي في كل شيء… غسان ريفي

ثقيل كان الخبر علينا.. فصباحنا اليوم كان مظلما، حزينا، كئيبا ومؤلما بغياب صاحب فخامة الحضور عقلا وفكرا وحوارا وثقافة وأدبا وأخلاقا وتدينا.

يصعب الحديث عن جان عبيد الذي جمع في شخصه كل تلك الصفات التي لا يمكن أن تموت أو أن يطويها الزمن، بل هي تُبقي صاحبها حيا مستوطنا القلوب حبا والعقول نورا.

نادر هو نموذج جان عبيد، فهذا المزيج من الحكمة والحنكة والحب والاهتمام والحزم والقوة والعاطفة والقسوة والنصح والتوجيه قد لا يتكرر بسهولة، لذلك فإن تلك البصمة النموذجية ستبقى شامة على جبين الوطن.

كان جان عبيد يتميز بمعرفة “كلمة السر” لكل الشخصيات، فيدخل الى أعماقهم ويتعاطى معهم بأريحية كاملة، فلا يزعجهم إنتقاده، ولا تثيرهم توجيهاته، ولا يستفزهم هجومه المحبب المغلف بالغيرة عليهم، فكان مدرسة تجمع بين الأديان وتقرب في السياسة، وتصلح بين المتخاصمين، وتعطي منهجا كاملا في تقديم مصلحة الوطن على ما عداها من مصالح.

لم يغب جان عبيد عن أصدقائه يوما، فكان دائم الاطمئنان عليهم، يمازحهم، يصارحهم ينصحهم، يتودد إليهم، ينكّت معهم، ثم ينهي الاتصال برسالة من آية قرآنية أو إنجيلية أو حكمة عربية أو ببيت شعر من ديوان المتنبي أو إمرؤ القيس، ليشعر المتلقي أنه حصل على جرعة ثقافية إجتماعية سياسية متكاملة لا يمكن أن يلخصها بإتصال هاتفي إلا جان عبيد.

ربما شعر جان عبيد مؤخرا أن السياسة في لبنان لم تعد تلبي طموحه أو تتلاقى مع شفافيته ونهجه الراقي، وربما شعر أن الرئاسة لم تعد تليق به، بعدما أصبحت طرفا في النزاع ولم تعد حكما كما كان يحب ويشتهي، لذلك فقد آثر الرحيل بصمت مستسلما للفيروس اللعين تاركا إرثا غنيا في السياسة والدبلوماسية والثقافة والصداقة والمحبة للتاريخ الذي سيذكر دوما أن جان عبيد مرّ ذات حقبة في هذا الوطن اللبناني.

رحمك الله أيها الراقي في كل شيء، أيها الغالي الذي تسكن القلوب، نبكيك وتبكيك طرابلس ويبكيك لبنان، فالخسارة بك لا تعوض، وكل العزاء للسيدة العزيزة لبنى والى الأعزاء سليمان، هلا، أمل، جنى وبدوي، والى الأشقاء، والى ظلك الدائم سونيا وسايد والعزاء لنا والى كل محبيك الذين خسروا وطنا إسمه جان عبيد..


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal