هل تدمير طرابلس هو تتمة لتدمير بيروت؟… غسان ريفي

سقط القناع وإنكشف المستور، وبدأت المخططات الجهنمية المعدة لطرابلس تظهر في عملية تدمير ممنهجة لمؤسساتها العامة ودرّتها البلدية التراثية التي أحترقت وأحرقت قلوب الطرابلسيين، على يد عصابة موتورة مهمتها تصحير الفيحاء وضرب بنيتها الادارية والبلدية والتربوية والأكاديمية والثقافية لتكون تتمة لتدمير بيروت بتفجير مرفئها وذلك في مؤامرة دنيئة أراد البعض من خلالها تصفية الحسابات مع طرابلس وأهلها ومع من يمثلها، في ظل سؤال كبير جدا عن دور الأجهزة الأمنية والعسكرية في حماية المدينة ومؤسساتها، ما يتطلب مساءلة المسؤولين عنها من القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس الجمهورية الذي رفض إنعقاد مجلس الدفاع الأعلى، الى رئيس حكومة تصريف الأعمال الذي أظهر ضعفا غير مبرر، الى الرئيس المكلف الذي يكتفي بالبيانات والتحذير، الى وزيري الدفاع والداخلية اللذين طمأنا كل من إستنجد بهما بأن الأمور تحت السيطرة، ليتبين فيما بعد أنهما يعيشان على كوكب آخر.

الكل مسؤول، والكل مشارك في إهدار دم هذه الفيحاء الصابرة وإستغلال فقر أهلها، وإعادة عقارب الساعة الى الوراء في تحويلها صندوق بريد لتصفية الحسابات السياسية، ولتنفيس الاحتقان القائم بين رئيس الجمهورية وبين الرئيس المكلف، ولترجمة المعركة القائمة بين الحريري وجبران باسيل حتى آخر طرابلسي، على مرأى من القوى الأمنية والعسكرية.  

هو السيناريو كرر نفسه لأربعة أيام متتالية، حيث يحضر المحتجون الى ساحة عبدالحميد كرامي (النور) عند الساعة الرابعة من بعد الظهر كمن يلتحق بموقع عمله، يتقدمون شيئا فشيئا باتجاه سراي طرابلس المكشوفة أمنيا من دون أن يجدوا من يردعهم من جيش أو قوى أمن داخلي التي يتمركز عناصرها داخلها، حيث تبدأ المناوشات برمي الحجارة وقنابل المولوتوف ومؤخرا القنابل اليدوية الى داخل السراي التي تنطلق منها القنابل المسيلة للدموع، وهكذا، حتى ساعات الليل الى أن يتدخل الجيش عندما تحتدم المواجهات ويأخذ زمام المبادرة ويبعد المحتجين الذين يرشقونه بالحجارة تارة ويصفقون له تارة أخرى، ثم ينصرفون عند الثانية عشرة من منتصف الليل مع أضرار جديدة في الممتلكات العامة والخاصة.

ينام رماة الحجارة والزجاجات الحارقة وقد أدوا مهمتهم التي يبدو أنها مدفوعة الأجر سلفا، ويعيدون الكرّة في اليوم التالي إبتداء من الساعة الرابعة في مشهد سخيف بإخراج ضعيف.

هذا السيناريو المتكرر يطرح جملة من الأسئلة لجهة: لماذا حصر المواجهات في ساحة عبدالحميد كرامي ومحيط السراي فقط؟، ولماذا تتوقف الاحتجاجات خلال النهار وتبدأ خلال ساعات بعد الظهر فهل الاحتجاج على الجوع والقهر يترجم فقط بعد الظهر؟، ولماذا الاصرار على إستهداف سراي طرابلس لاحراقها؟، وهل بالاعتداء على السراي تنتهي المعاناة ويشبع الناس؟، أم تبدأ معاناة جديدة لاضطرار الطرابلسيين للانتقال الى وزارة الداخلية في بيروت لانجاز أي معاملة أو إخراج قيد؟. وهل باحراق المحكمة الشرعية وتحويل عقود الزواج والطلاق والارث الى رماد يحصل المحتجون على مطالبهم؟، وهل بالاعتداء على جامعة العزم التي توفر التعليم والمنح لأبناء طرابلس تنتهي الأزمة المعيشية؟، وهل بإحراق بلدية طرابلس بهذا الشكل الوحشي يشبع الناس ويخفض سعر الدولار..

ثم لماذا يُسمح للمحتجين بالوصول الى السراي والى أبوابها لاحراقها وتنفيذ الاعتداءات عليها؟، أليس الأجدى والأكثر أمنا أن يُضرب حولها طوق أمني لحمايتها ومنع أي كان من الاقتراب إليها ونقل المواجهات الى ساحة عبدالحميد كرامي أو أي منطقة أخرى لعدم تعريض السراي ومصالح المواطنين للخطر، ولانهاء مسلسل إستهداف هيبة الدولة وأجهزتها الأمنية.

بعد مرور أربعة أيام على الاحتجاجات العنفية، يمكن الخروج بهذه الاستنتاجات:

أولا: طرابلس الصابرة بريئة من كل هؤلاء المدسوسين على الثورة لتنفيذ مشاريع وأجندات مشبوهة بدأت تترجم ليل أمس.

ثانيا: طرابلس ضحية السلطة السياسية من رأس الهرم الى القاعدة ماضيا وحاضرا وربما مستقبلا..

ثالثا: كانت بيانات الرئيس المكلف سعد الحريري لزوم ما لا يلزم فالتحرك يكون قبل الخراب وليس بعده، خصوصا أنه المسؤول عن هذه التسوية المرفوضة من طرابلس التي باتت على يقين بأنه عندما يكون الحريري مرتاحا يستغني عنها، وعندما يكون مأزوما يستخدمها.

رابعا: يبدو أن الحريري وباسيل قررا في صراعهما إستخدام كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة والتي كانت طرابلس أمس ضحيتها.

خامسا: بعد ما شهدته طرابلس أمس، من المفترض أن تنتهي أعمال الشغب وأن تعود الأمور الى طبيعتها إلا من تحركات سلمية تنادي بحقوق المدينة، وأن تبدأ التحقيقات والتوقيفات، وإلا فإن الكل من ساسة وأمنيين وحتى هيئات مدنية ومواطنين سيكونون متواطئين على تدمير طرابلس.


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal