رفع المتاريس بين بعبدا وبيت الوسط إستعدادا لحرب إلغاء!… غسان ريفي

إذا كان مضمون الفيديو المسرّب عن رئيس الجمهورية الذي إتهم فيه الرئيس المكلف بالكذب ″جرصة″ فإن مضمون بيان المكتب الاعلامي لرئاسة الجمهورية كان ″جريصاتي″، فهو أساء بالدرجة الأولى الى الرئيس ميشال عون المفترض أنه حامي الدستور والحكم بين اللبنانيين، وأحرق عن سابق تصور وتصميم كل مراكب التواصل بينه وبين الرئيس سعد الحريري بما يخص تشكيل الحكومة، وعطل كل المبادرات التي كانت تسعى للوصول الى قواسم مشتركة بين الرجلين تؤدي الى الحلحلة المنشودة، كما سمح للبعض بالتجرؤ على رئيس الجمهورية وإتهامه بـ”الكذب” كما سبق هو وإتهم الرئيس المكلف.

لم يصدق كثير من اللبنانيين أن الرئيس عون لا يريد الثلث المعطل ولم يطلبه، كما لم يصدق هؤلاء أن جبران باسيل لا يتدخل بتشكيل الحكومة وهو الذي أعطى في مؤتمره الصحافي أدق التفاصيل حول كل ما دار في اللقاءات الـ14 التي عقدت بين الرئيسين عون والحريري، وأيضا لم يصدقوا أن حزب الله لا يتدخل في أي قرار لرئيس الجمهورية.

كما فوجئ هؤلاء كيف يُضرب الدستور اللبناني من المكتب الإعلامي لحامي الدستور الذي أقسم اليمين على حمايته والدفاع عنه، عندما تم تحريف البند الرابع من المادة 53 والبند الثاني من المادة 64 واللعب عليهما من دون وجه حق، بهدف إعطاء الحق الدستوري لرئيس الجمهورية باختيار الوزراء وتسميتهم وتوزيعهم على الحقائب الوزارية، في حين أن الدستور واضح من دون أي لبس بما يتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية في عملية تشكيل الحكومة من التكليف الذي يوقع رئيس الجمهورية مرسومه منفردا، الى التأليف المناط حصرا برئيس الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية الذي إما أن يقبل ويوقع المراسيم أو أن يرفض ويقدم التبريرات لذلك.

واللافت أن بيان المكتب الاعلامي لرئاسة الجمهورية لعب دور محامي الدفاع عن جبران باسيل لتبرئته من التدخل بتأليف الحكومة، علما أن هذا الأمر ليس من مهامه ولا يليق برئاسة الجمهورية أن تدافع عن رئيس تيار سياسي إنطلاقا من أن الرئيس عون من المفترض أن يكون على مسافة واحدة من كل اللبنانيين، فباسيل رئيس لتيار سياسي ولديه مكتب إعلامي وهو قادر على الدفاع عن نفسه عندما تدعو الحاجة.

وفي قراءة متأنية للبند الأخير من البيان الرئاسي، يتبين أن ما قاله باسيل في مؤتمره الصحافي بأننا “لا نأتمن الحريري على الاصلاح” وما قاله رئيس الجمهورية في الفيديو المسرّب، ترجمه بوضوح بيان المكتب الاعلامي بالتأكيد على أن “ليس لرئيس الجمهورية ان يكرر دعوة رئيس الحكومة المكلف الى الصعود الى بعبدا، ذلك ان قصر بعبدا لا يزال بانتظار ان يأتيه رئيس الحكومة المكلف بطرح حكومي يراعي معايير التمثيل العادل عملا بأحكام الدستور”، ما يعني أن عون يصر على إحراج الحريري برفض الاعتذار منه وعدم الاتصال به، متناسيا في ذلك، أن الرئيس المكلف قدم تشكيلة كاملة من 18 وزيرا من دون ثلث معطل ولم يحرك رئيس الجمهورية ساكنا تجاهها، بل قدم طرحا حكوميا مقابلا بشكل مخالف للدستور، وبالتالي قبل أن يأتي الرئيس المكلف بتشكيلة جديدة فإن من المنطق ومن إحترام الدستور والحفاظ على الصلاحيات أن يعلن الرئيس عون رفضه لتشكيلة الحريري وأن يعلل الأسباب الموجبة لذلك.

هذا الواقع، أدى الى رفع المتاريس السياسية بين قصر بعبدا وبيت الوسط إستعدادا لحرب إلغاء بدأها عون ضد الحريري الذي بدوره قد ينتظر أن يبقى العهد من دون حكومة ما يؤدي الى إسقاطه، في وقت تحرك فيه الشارع إحتجاجا على الأوضاع المعيشية الصعبة وتمديد الاقفال العام حيث شهدت مناطق ذات أغلبية سنية توترات وقطع للطرقات وإعتصامات ومسيرات تطالب باسقاط السلطة السياسية التي لا تراعي أوجاع شعبها.

يبدو واضحا، أن المعنيين بتشكيل الحكومة يقامرون بمال ومدخرات وصحة وأمن وغذاء اللبنانيين، في أسوأ لعبة عض أصابع تشهدها البلاد التي تسقط في هاوية الفشل والفوضى والمجاعة، بينما ينتظر المعنيون من سيربح على أوجاع هذا الوطن الجريح وشعبه.


مواضيع ذات صلة:


Post Author: SafirAlChamal