قراءة في المشهد السياسي: بايدن دخل الى البيت الأبيض.. أين تشكيل الحكومة؟… غسان ريفي

″أنت تعلم أنني الفائز″.. عبارة إختصر فيها الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب المشهد الأميركي، وحمّل فيها الرئيس الجديد جو بايدن مزيدا من الأعباء لا سيما على صعيد الحفاظ على الديمقراطية التي أصابتها جراح أسست لانقسام حقيقي في المجتمع الأميركي، خصوصا أن الرئيس الخارج من البيت الأبيض حصل على نحو 73 مليون صوت ورفض حتى اللحظات الأخيرة الاعتراف بالهزيمة، وإنتقل الى مركز إقامته في فلوريدا كزعيم وطني أعاد مفهوم الزعامة الى مفردات السياسة الأميركية.

رغم ذلك، تسلم بايدن مهامه الرئاسية في أجواء ديمقراطية، وهو من المفترض أن يبدأ بلملمة الجراح التي أنتجتها الانتخابات حيث تركت ندوبا كثيرة في الجسد الأميركي، وأن يسعى الى أن تتجاوز أميركا محنتها، والى أن يواجه نهجا نجح ترامب في إرسائه خلال السنوات الأربع الماضية وهو الوطنية في مواجهة العولمة، القائم على شعار “أميركا أولا”، والتي “ليست مضطرة على مساعدة أي جهة مجانا من دون مقابل، وأن مصالحها هي التي تحدد كيفية ونوع تعاطيها مع دول العالم، بما في ذلك المنظمات الانسانية والصحية”.

هذا النهج الترامبي، دفع بايدن الى إطلاق شعار “وحدة أميركا”، وهذا يدل على الإنقسامات التي ترخي بثقلها على المجتمع الأميركي المعرّض للسقوط، كونه يشكل خليطا من مجموعة إثنيات قد تؤدي خلافاتها وعودة كل منها الى الجذور الى حرب أهلية حقيقية، كانت لاحت في أفق “الكابيتول هيل” خلال الهجوم الصاعق الذي تعرض له، والذي مرّ من دون أن يجرؤ أحد على أن يتخذ قرارا بعزل ترامب أو تقصير ولايته لما يمكن أن يثيره ذلك من حساسيات قد لا يستطيع أحد تحمل تبعاتها.

كل ذلك يؤكد أن الشؤون الأميركية الداخلية ستكون في رأس الأولويات لدى بايدن وإدارته، ما يعني أن من يعيش أوهام التداعيات الايجابية لدخول بايدن الى البيت الأبيض على لبنان، سيصاب بخيبة أمل بعدما يتأكد أنه كان يلاحق سرابا يحسبه الظمأن ماء، فلبنان لن يكون على الأجندة الأميركية ولا حتى الدولية، خصوصا أن ما يعني بايدن وإدارته في لبنان فقط هو دور وحضور حزب الله كذراع إيراني، وترسيم الحدود إضافة الى أمن إسرائيل، وما دون ذلك من رئاسة حكومة وتجاذبات داخلية بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف وتوزيع حقائب وأزمات إقتصادية وإجتماعية كلها أمور لا تعني أحدا في أميركا أو في المجتمع الدولي بعكس ما يفكر كثير من اللبنانيين.

وفي هذا الاطار، تؤكد مصادر سياسية مطلعة أن بايدن لن يكون أقل شراسة من ترامب في التعاطي مع حزب الله، خصوصا أن مرشحه لوزارة الخارجية أنطوني بلينكن، خرج بسلسلة تصريحات تشيد بسلوك ترامب في الشرق الأوسط من التطبيع مع إسرائيل، الى تشديد الخناق على إيران، وأذرعتها في المنطقة وفي مقدمتها حزب الله.

في غضون ذلك، ومع إقتناع البعض بعدم جدوى الاعتماد على الأميركيين، تحركت المياه الراكدة في البركة الحكومية من خلال مساع ما تزال خجولة لايجاد حلحلة في هذا الملف، بإنتظار أن يتبنى هذه المساعي جهات سياسية وازنة، خصوصا أن رئيس حكومة تصريف الأعمال الذي أعاد إحياء دوره بزيارات رئاسية لا يمتلك الثقل السياسي لارساء أسس لبداية حوار جديد بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، خصوصا أن مبادرات عدة أطلقت من الرئيس نبيه بري والبطريرك بشارة الراعي واللواء عباس إبراهيم ولم تجد طريقها نحو النجاح، في حين تعوّل مصادر مواكبة على مبادرة يمكن أن يطلقها حزب الله من تحت الطاولة لتقريب وجهات النظر والوصول الى قواسم مشتركة تساهم في ولادة الحكومة بدل إنتظار السراب الأميركي، أو الوساطة الفرنسية مع السعودية التي أكد ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان خلال إتصال مع ماكرون عدم مساعدة حكومة فيها حزب يهدد أمن السعودية عبر صواريخ الحوثيين.

اللافت أن كل هذا الحراك من الرئاسة الأميركية الى الحكومة اللبنانية لا يجد أي تفاعل بين اللبنانيين المنشغلين بتوديع أعزاء قتلهم فيروس كورونا وفي رعاية المصابين وتأمين سرير لهم في المستشفيات والتفتيش عن الأدوية المفقودة، وفي مواجهة الأزمات الاجتماعية والمعيشية وجنون الدولار وتداعياته على السلع الغذائية والمواد الأساسية التي إرتفعت أسعارها بشكل جنوني، فضلا عن إنتظار رفع الدعم أو ترشيده ما يمكن أن ينتج عنه من تمدد للفقر والبطالة وصولا الى الجوع، خصوصا في المناطق التي كانت تعاني من الحرمان، وفي مقدمتها طرابلس التي وبحسب المعطيات ستكون أمام جهود فعلية ستظهر تباعا للمساعدة على رفع بعض هذه المعاناة والتعويض عن كثير من تهميش الدولة، والقيام بخطوات ميدانية لمواجهة محنة جائحة كورونا.


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal