قراءة في المشهد السياسي.. هل يعود الحريري الى مبادرة ميقاتي؟!… غسان ريفي

لا يوجد في الأفق السياسي أية ملامح أو مؤشرات لولادة الحكومة التي باتت أسيرة التدخلات والضغوط الخارجية والمصالح والأنانيات الداخلية، ما يعطي صورة سوداوية للوضع القائم معطوفة على المأزق الاجتماعي ـ الاقتصادي الذي ينذر بإنفجار كبير من شأنه أن يشرّع الأبواب أمام الفوضى، ويضرب ما تبقى من الدولة والكيان.

بات واضحا أن لبنان هو ضحية صراع فرنسي ـ أميركي، ففي الوقت الذي تعمل فيه إدارة الرئيس إيمانويل ماكرون وبتوجيهات منه لتقريب وجهات النظر بين المعنيين بتشكيل الحكومة تمهيدا لأن تبصر النور، تقف الادارة الأميركية حجر عثرة أمام تحقيق أية نتائج إيجابية للمساعي الفرنسية، تارة بالعقوبات وتوقيتها الذي أطاح بحكومة الدكتور مصطفى أديب، ويكاد أن يطيح بحكومة الرئيس الحريري، وتارة أخرى بالشروط العالية السقف التي يحاول وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو فرضها قبل مغادرة الرئيس دونالد ترامب البيت الأبيض.

تشير المعلومات الى أن بومبيو كان واضحا في إجتماعه مع وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان في الاليزيه، لجهة طرحه خمسة شروط للقبول لتسهيل تأليف الحكومة تتعلق، بـ”ترسيم الحدود، الاستراتيجية الدفاعية، المعابر غير الشرعية، الصواريخ الدقيقة لحزب الله، والخضوع لشروط صندوق النقد الدولي”، كما كان لودريان واضحا في رفض ربط مصير الحكومة بتنفيذ هذه الشروط التي يحتاج بعضها الى كثير من البحث والتفاوض، وصولا الى إبلاغ بومبيو بأن الادارة الفرنسية ستنتظر دخول الرئيس جو بايدن الى البيت الأبيض لتعالج الأمور مع الادارة الأميركية الجديدة.

لا شك في أن الخلاف الأميركي ـ الفرنسي يزيد الطين بلة في الوضع اللبناني، فمن جهة تغيب المسؤولية الوطنية عن كل المعنيين بتشكيل الحكومة في العمل على إيجاد مخارج للأزمة القائمة والتخلي عن المصالح والمكاسب الشخصية لحساب المصلحة الوطنية العليا، وكأن اللبنانيين يعيشون في رغد ولا يعانون الأمرين ماليا وإقتصاديا وصحيا وإنسانيا، ويتجهون نحو إنفجار إجتماعي حتمي إذا ما إستمرت المراوحة السياسية والعجز عن مواجهة الأزمة المعيشية.

ومن جهة ثانية، إصرار المعنيين على مواقفهم، من رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يتمسك بحقه في تسمية الوزراء المسيحيين ويرفض أن يسلم رقبته أو رقبة صهره الى سعد الحريري الذي بدوره يخشى من العقوبات الأميركية عليه وعلى محيطه خصوصا بعد نصيحة السفيرة دورثي شيا اليه بعدم التعامل مع حزب الله وجبران باسيل، ولا يستطيع في الوقت نفسه الخروج من “بيت الطاعة” الفرنسي لا سيما بعد خروجه من العباءة السعودية، ولا يمكن له أن يشكل حكومة من دون رضى وموافقة حزب الله وتمثيل جبران باسيل الذي يتبنى رئيس الجمهورية كل مطالبه.

كل ذلك، ومع خروج لبنان من دائرة الاهتمام العربي، يجعل الحكومة العتيدة في علم الغيب، ويُفقد كل المعنيين المبادرة في إيجاد حلول للتعقيدات التي أوجدوها من خلال التجاذبات والصراعات والشروط والشروط المضادة التي تعيد في كل مرة المفاوضات حول عملية التأليف الى المربع الأول.

أمام هذا الواقع، وفي ظل غياب أي رسم بياني واضح لشكل ومضمون الحكومة، فإن المبادرة الجدية الوحيدة التي طرحت للخروج الآمن واللائق من هذا المأزق، كانت مبادرة الحكومة العشرينية التكنوسياسية (6+14) التي قدمها الرئيس نجيب ميقاتي وتقضي بتسمية رئيس وخمسة وزراء سياسيين يمثلون الطوائف والتيارات، و14 وزيرا من الاختصاصيين يختارهم رئيس الحكومة لادارة شؤون البلد، علما أن هذه المبادرة التي وضعت خلال أسبوعين على طاولات الأطراف السياسية لم يتم رفضها من قبل أحد، إنطلاقا من الدور الذي كان يمكن أن تلعبه في تفكيك التعقيدات القائمة في حال كانت النوايا حسنة.

لا يختلف إثنان على أن قطار تشكيل الحكومة قد وصل الى طريق مسدود قد يكون من الصعب تجاوزه مع إزدياد جدار الأزمة السياسية إرتفاعا وسماكة، الأمر الذي يحتاج الى صدمة إيجابية تسمح بإيجاد ثغرات في هذا الجدار يمكن من خلالها النفاذ الى الحلول الممكنة، فهل تشكل مبادرة ميقاتي الحل من جديد؟، وهل يعود الحريري إليها فيعيد خلط الأوراق وينجح في تهريب الحكومة في الوقت الأميركي الضائع؟، أم أن ما كُتب قد كُتب، ولا حكومة قبل دخول جو بايدن الى البيت الأبيض؟..


مواضيع ذات صلة:

  1. هل أنهى تكليف الحريري الثورة؟… غسان ريفي

  2. جريمة كفتون.. أنقذت لبنان!.. غسان ريفي

  3. في كانون الأول المقبل.. لبنان يكون أو لا يكون!… غسان ريفي


 

Post Author: SafirAlChamal