قراءة في المشهد السياسي: إستشارات على قياس باسيل.. والطائف له من يحميه!… غسان ريفي

ما بين تأجيل الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس للحكومة، وبين محاولات ضرب دستور الطائف والاساءة إليه فعلا وقولا، دخل لبنان في ″مكاسرة″ سياسية لن تكون في مصلحة أحد، وهي من شأنها أن تمدد الفراغ الحكومي وصولا الى أزمة حكم.

بات المشهد الحكومي واضحا، فالتأجيل لم يأت إنطلاقا من طلب بعض الكتل النيابية ذلك من رئيس الجمهورية لزيادة عدد الأصوات للرئيس سعد الحريري، أو لتأمين الميثاقية المسيحية أو الغطاء المسيحي له، فالاستشارات لو جرت لكان الحريري حصل على أكثر من 65 صوتا من بينهم أكثر من 20 صوتا مسيحيا، ما يعني أن الميثاقية كانت مؤمنة والغطاء متوفرا من دون “منّة” التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية.

إذا، فقد جاء التأجيل إنطلاقا من ثابتة وحيدة لدى رئيس الجمهورية بعيدة عن المنطق ومخالفة للدستور وهي أن “لا إستشارات من دون التوافق مع جبران باسيل”، خصوصا أن الأخير بدأ يشعر بأنه يفقد بعض الأوراق السياسية التي كان يتحكم بها، لجهة ضعف التأثير ضمن أي حكومة، وتوتر العلاقات مع حزب الله، وتأثير الثورة التي تحيي ذكراها السنوية الأولى غدا عليه، والتراجع في شعبيته، الأمر الذي دفعه الى إعتماد خطاب عنصري في ذكرى 13 تشرين أول إستهدف فيه شركاءه في الوطن، وأساء الى دستور الطائف الذي أتى بعمه رئيسا للجمهورية وأقسم اليمين على حمايته والحفاظ عليه، معتبرا أن “هذا الدستور نتن وعفن” وذلك في “شعبوية” واضحة يهدف من خلالها الى إعادة تعويم نفسه في الشارع المسيحي.

هذا الواقع سيضع الرئيس الحريري وأكثرية الكتل النيابية في مواجهة دستورية مع رئيس الجمهورية الذي قد لا يتوانى عن تأجيل جديد للاستشارات في حال شعر أن الأمور لا تسير وفقا لمصلحة جبران باسيل، في وقت تتجه فيه الأنظار الى موقف الحريري، فهل سينسحب من السباق الحكومي؟، أم أن سيكمل التحدي تحت شعار الانقاذ؟، أم أنه سيقدم تنازلات جديدة؟.

في غضون ذلك، تستمر المحاولات الرامية الى ضرب دستور الطائف بفرض أعراف جديدة وإدخال البدع السياسية على نصوصه، وما ساقه جبران باسيل في خطاب 13 تشرين أول شكل دليلا قاطعا على أن هذه المحاولات تتجه لأن تتحول الى قرار سياسي بتعديل الطائف، علما أن مصادر سياسية تؤكد أن “الطائف لم يطبق بكامل مندرجاته حتى الآن، وبالتالي فإنه لا يمكن تعديل دستور لم يصر الى تطبيقه، لذلك فلنطبق الطائف ثم نبحث في التعديلات التي تتوافق عليها المكونات السياسية”.

وتذكّر هذه المصادر أن “السبب الرئيسي للحرب الأهلية كان شعور مكونات أساسية لبنانية وعلى رأسها الطائفة السنية بأنها مهمشة، وبالرغم من أنها لم تشارك في الحرب، إلا أن الخلل الذي كان قائما في الميزان الوطني أدى الى الخراب، ما يعني أن من يريد اللعب بالتوازنات يأخذ لبنان باتجاه حرب أهلية جديدة.

من هذا المنطلق جاء الرد الحاد للرئيس نجيب ميقاتي على باسيل فور إنتهائه من خطاب 13 تشرين، ذلك أن ميقاتي يشكل خط الدفاع الأول عن الطائف ورأس الحربة في مواجهة كل من يحاول إستهدافه، وهو في كل التجاذبات لم يضيع البوصلة وبقي الدفاع عن الطائف حاضرا في خطابه السياسي ليس من منطلق طائفي أو مذهبي بل من منطلق وطني.

وتشير الوقائع الى أن ميقاتي لن يرضى بضرب الطائف الذي وضع حدا للحرب الأهلية ورفع التهميش عن الطائفة السنية، وذلك حرصا منه على المصلحة الوطنية العليا لأن إعادة تهميش السنة أو أي طائفة أخرى من شأنه أن يؤسس الى أزمة وطنية كبيرة.

وكانت لافتة الحدة التي تعامل بها ميقاتي في الرد على خطاب باسيل، وهو المعروف بردوده الهادئة والدبلوماسية، إلا هذه الحدية بحسب متابعين جاءت من شعور ميقاتي بحجم المأزق الوطني الذي يؤسس له من وراء مواقف باسيل، وإندفاعه في هذا الوقت بالذات الى مواجهة أية محاولة لاشعال فتنة قد لا يمكن للبنان أن يصمد أمامها.

يمكن القول إن مواقف ميقاتي تشكل رسالة واضحة لمن يعنيهم الأمر بأن تهميش أي طرف من الأطراف يؤسس لأزمة سياسية كبرى، وأن إستغلال موازين القوى لفرض أعراف جديدة يتناقض مع المصلحة الوطنية، لذلك جاءت نبرته العالية لتؤكد بأن المسّ بالطائف هو أمر لا يمكن القبول به أو تجاوزه.


مواضيع ذات صلة:

  1. جريمة كفتون.. أنقذت لبنان!.. غسان ريفي

  2. في كانون الأول المقبل.. لبنان يكون أو لا يكون!… غسان ريفي

  3. لغة العالم لا تفهمها السلطة.. والعهد يطلق النار على نفسه!… غسان ريفي


 

Post Author: SafirAlChamal