إستقرار لبنان ينتظر مبادرة ″رباعية″ لم تولد بعد… عبد الكافي الصمد

عندما وصل الرئيس السوري بشّار الأسد والعاهل السّعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى مطار بيروت، في 30 تموز 2010، قادمين من مطار دمشق على متن طائرة واحدة، كان ذلك إيذاناً بوضع ″التفاهم″ بين البلدين، والذي أطلق عليه اختصاراً وصف مبادرة “سين سين”، على السكّة، وبسط خيمة الإستقرار فوق لبنان بعد سنوات من الشدّ والجذب والإنقسام والتوتر السياسي والأمني، وتحديداً منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005.

مبادرة “سين سين” جاءت تتويجاً للتقارب السّوري ـ السّعودي الذي تُرجم عملياً في القمّة العربية الإقتصادية التي شهدتها الكويت في 20 كانون الثاني عام 2009، وأدّت إلى زيارة الرئيس سعد الحريري دمشق 4 مرّات، كانت أولاها في 19 كانون الأول عام 2009، واستقرار العلاقات اللبنانية ـ السورية بعد سنوات من “الجفاء” الرسمي والسياسي من قبل فريق الأكثرية في لبنان حينها برئاسة الحريري، وبعدما شهد لبنان تطورات دراماتيكية تمثلت في أحداث 7 أيّار 2008 واتفاق الدوحة بعد ذلك بأيّام في 21 من الشهر نفسه في العاصمة القطرية، ما أعاد الإستقرار السّياسي والأمني إلى لبنان بعدما كاد ينزلق نحو الهاوية.

وبرغم أنّ هذه المبادرة لم تعمّر طويلاً، وسقطت رسمياً في 12 كانون الثاني من عام 2011 بعد خلافات بين فريقي 8 و14 آذار، بسبب التباين بينهما في كيفية التعاطي مع المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري، فإنّها أعطت إنطباعاً واضحاً أن الإستقرار في لبنان لا يمكن ترجمته على أرض الواقع إلا بتفاهم خارجي، إقليمي ودولي.

إحياء مبادرة “سين سين” بعد ذلك لم يكن ممكناً، خصوصاً بعد دخول سوريا أتون حرب لم تخرج منها بعد، وحصول تطوّرات داخلية وإقليمية ودولية جعلت السعودية غير متمسكة بالمبادرة، بعدما تحوّلت إلى طرف في الحرب السّورية ووقوفها بجانب بعض قوى المعارضة فيها، ما جعل المبادرة تموت عملياً.

خلال قرابة عقد مضى على سقوط تلك المبادرة، عاش لبنان توتراً أمنياً وسياسياً بالغ الخطورة، كان أغلبه إنعكاساً للحرب السّورية وللتطوّرات في المنطقة، برغم أنّه عاش إستقراراً هشّاً في بعض السّنوات، قبل أن ينفجر الوضع الداخلي إقتصادياً ومالياً وأمنياً وإجتماعياً وسياسياً، دفعة واحدة، بعد حراك 17 تشرين الأول عام 2019، وهو حراك جعل لبنان يشهد تقلبات سياسية واسعة، وانهياراً إقتصادياً ومالياً غير مسبوق، بعدما تراجع سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار بمعدل يزيد على أربعة أضعاف على الأقل، وسط أزمة معيشية أطبقت خناقها على المواطنين.

خلال هذه السّنة عرف لبنان بالكاد الحدّ الأدنى من الإستقرار، إذ شهدت إستقالة حكومة سعد الحريري في 29 تشرين الأول 2019،  ثم تأليف الرئيس حسّان دياب حكومته في 21 كانون الثاني عام 2020 قبل أن يستقيل في 10 آب الماضي، ليُكلّف مصطفى أديب تأليف الحكومة في 31 آب الفائت لكنه اعتذر عن مهمّته بعد 27 يوماً، في 26 أيلول الماضي، من غير أن تلوح في الأفق بوادر تكليف وتأليف حكومة جديدة.

بات واضحاً من مجرى الأحداث أنّ لبنان وُضع على الرّف، وأنّه ينتظر توافقاً إقليمياً ودولياً لإعادة الإستقرار إليه، وأنّ البحث في تفاصيل هذا الإستقرار لن يبدأ عملياً قبل موعد الإنتخابات الرئاسية الأميركية في 3 تشرين الثاني المقبل، على أن يبدأ بعدها التواصل بين 4 أطراف للوصول إلى هذا الهدف، سوريا وإيران من جهة، والسّعودية والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى، ولبنان الذي سيوضع على طاولة البحث بين هذا الرباعي ضمن ملفات عدّة في المنطقة، لن يكون بالطبع أولاها.


مواضيع ذات صلة:

  1. إجراءات احتواء كورونا تتعثّر وتحذيرات من ″الأسوأ″ القادم… عبد الكافي الصمد

  2. إنهيار الليرة تأخّر سنتين.. والسّياسات الخاطئة تنذر بالأسوأ… عبد الكافي الصمد

  3. عالم ما بعد كورونا غير: ماذا عن لبنان؟… عبد الكافي الصمد


 

Post Author: SafirAlChamal