المبادرة الفرنسية: خطوةٌ إلى الأمام خطوتان إلى الوراء… عبد الكافي الصمد

عندما أعلن الرئيس سعد الحريري، أول من أمس، عن قبوله أن تذهب حقيبة وزارة المالية إلى الطائفة الشّيعية، واصفاً ذلك بـ″تجرع السّمّ″، شرط أن يُسمّي من سيتسلمها رئيس الحكومة المُكلّف مصطفى أديب، ظنّ كثيرون للوهلة الأولى أنّ خطوته ستسهم بالإسراع في عملية تأليف الحكومة بعد فكّ عقدتها الأبرز وهي وزراة المالية.

خطوة الحريري “التنازلية” التي وُصفت بأنّها فتح كوّة في جدار أزمة تأليف الحكومة منذ جمودها، بعد طرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مبادرته في الأول من شهر أيلول الجاري إثر زيارته لبنان حينها ليومين، سرعان ما كشفت عن أعطاب بنيوية فيها، وعن عقد أخرى لا تقلّ عن عقدة وزارة المالية، وأن تذليل هذه العقبات يحتاج إلى جهود وضغوط ومبادرات على مستوى عالٍ لا يبدو، حتى الآن، أنّها متوافرة.

أبرز هذه العقبات والردود التي تلت خطوة الحريري، التي لم تنل رضى الخصم ولا الشّارع السنّي الموالي لزعيم التيّار الأزرق، يمكن تلخيصها بالنقاط التالية:

أولاً: أكّد مقربون من الحريري أنّ خطوته “التنازلية” جاءت بعد طلب فرنسي مباشر منه لإخراج أزمة تأليف الحكومة من عنق الزجاجة، وسط “تحفّظ” أميركي وإيراني وسعودي وسوري، ما جعل إنطباعاً واسعاً يسود في أغلب الأوساط بأنّ الفرنسيين، ومعهم الحريري، إنخفض سقف طموحاتهم من تأليف “حكومة مهمة” سيكون على رأس جدول أعمالها إنتشال لبنان من إزماته، وإجراء إصلاحات سياسية ومالية بنيوية في نظامه، إلى “حفظ ماء” وجه ماكرون وإنقاذه من “ورطته” اللبنانية، قبل أي اعتبار آخر.

ثانياً: بعدما رحّب الثنائي الشّيعي، حزب الله وحركة أمل، بخطوة الحريري في الشّكل، إلا أنّهما إنتقداها بحدّة في المضمون. إذ لم يرَ الثنائي الشيعي فيها عاملاً إيجابياً سوى إعطاء حقيبة وزارة المال إلى شيعي، أمّا غير ذلك فقد رفض الثنائي تحديد الحريري إعطاء الشيعة وزارة المال ولمرّة أخيرة، وأن يُسمّي الرئيس المكلف الوزير الشيعي الذي سيتسلمها، إذ أكّد الثنائي أنّ حقيبة وزارة المال لن يتنازلا عنها لا الآن ولا غداً، كما رفضا تدخل الحريري في منح الحقائب الوزارية لهذا الطرف أو ذاك وهو ليس رئيساً مُكلّفاً، كما أنه لا يمتلك هذه الحقائب كي يهبها يُمنة ويُسرة.

ثالثاً: تأكّدت هذه الأجواء أمس في لقاء النصف ساعة الذي عقد بين الرئيس المكلف وممثلي الثنائي الشيعي، النائب علي حسن خليل والحاج حسين الخليل، ولم يخرج بعده الدخان الأبيض إيذاناً بحلّ عقدة وزارة المالية، وأنّ البحث بين الطرفين لم يصل إلى نتيجة إيجابية بسبب تمسك الثنائي الشيعي بتسمية وزراء الطائفة الشيعية في الحكومة، بمن فيهم وزير المالية، وأنّ أقصى ما يمكن أن يطرحاه ضمن هذا السياق هو أن يُقدّما لائحة أسماء للتوزير، على أن يختار الرئيس المكلف من بينها من يشاء، وهو ما يبدو أن الرئيس المكلف يرفضه، لأنه يُقوّض بوضوح الركائز التي جاء على أساسها لتأليف الحكومة.

رابعاً: قبل أن يبصر النّور حلّ أزمة وزارة المالية، برزت عقد أخرى في وجه الرئيس المكلف، مثل مطالبة طوائف وأحزاب وتيارات سياسية بالتمثيل داخل الحكومة أو بهذه الحقيبة أو تلك؛ لكن العقدة الأبرز التي لن تقلّ شأناً عن عقدة وزارة المالية سوف تكون تمثيل رئيس الجمهورية ميشال عون والتيار الوطني الحرّ في الحكومة، خصوصاً بعد البيان الصادر عن قصر بعبدا، والذي أشار إلى أنّ عون “معني” بتأليف الحكومة، ما يعني بوضوح أنه لن يمنح الرئيس المكلف وحكومته ختمه على مرسوم التأليف، قبل الحصول على مطالبه ومطالب التيار البرتقالي معاً.


مواضيع ذات صلة:

  1. إجراءات احتواء كورونا تتعثّر وتحذيرات من ″الأسوأ″ القادم… عبد الكافي الصمد

  2. إنهيار الليرة تأخّر سنتين.. والسّياسات الخاطئة تنذر بالأسوأ… عبد الكافي الصمد

  3. عالم ما بعد كورونا غير: ماذا عن لبنان؟… عبد الكافي الصمد


  

Post Author: SafirAlChamal