مبادرة الحريري: إنفتاحٌ على الحلّ أم قفزة في المجهول؟… عبد الكافي الصمد

″تجرّع السّم″. ″إنتحار سياسي″. عبارتان لافتتان وردتا في البيان المطوّل الذي صدر أمس عن الرئيس سعد الحريري، الذي قدّم فيه ″مبادرة″ لفك عقدة وزارة المالية بهدف مساعدة الرئيس المكلف مصطفى أديب، تقضي ″بتسمية وزير مالية مستقل من الطائفة الشيعية، يختاره هو″، وهي مبادرة بدت بمثابة حجر كبير رماه الحريري في المياه الراكدة لـ″بحيرة″ تأليف الحكومة.

مبرّرات كثيرة ساقها الحريري في بيانه لتفسير أسباب إقدامه على اتخاذ هكذا مبادرة، أهمها أنّه رأى فيها ″قراراً لا بديل عنه لمحاولة إنقاذ آخر فرصة لوقف الإنهيار المريع في لبنان″، إنطلاقاً من رؤيته أنّ المبادرة الفرنسية هي “آخر مكابح لبنان أمام انهياره″، و″منع سقوطه في المجهول″.

لكن هل مبادرة الحريري ستسهم في حلّ عقد تأليف الحكومة الأخرى، وليس عقدة وزارة المالية فقط برغم أنّها الأبرز، خصوصاً أنّ مبادرته قد قوبلت على الفور بانقسام كبير في الوسطين السّياسي والشّعبي، وبدأت تداعياتها بالظهور سريعاً، وستترك ذيولاً وبصمات ستمتد لزمن طويل.

غير أنّ مبادرة الحريري التي ستكون محور الحركة السّياسية والإتصالات المتعلقة بتأليف الحكومة، تتضمن بعض النقاط التي تستدعي التوقّف عندها ولا يمكن المرور عليها مرور الكرام، ومن أبرزها:

أولاً: سيمرّ وقت، طويل كان أم قصيراً، لمعرفة الخلفيات والأسباب الفعلية التي دفعت الحريري لإطلاق مبادرته، ذلك أن اعتباره لها “تجرعاً للسم” و”انتحاراً سياسياً”، يعني أن ضغوطات كبيرة وأمراً جللاً دفعه إلى ذلك، خصوصاً أنه كان منذ بروز عقدة وزارة المالية من اشد المعترضين على إبقائها في يد الطائقة الشّيعية.

ثانياً: لاقى الثنائي الشيعي، حركة أمل وحزب الله، مبادرة الحريري في منتصف الطريق، ورحبا بها بحذر شديد، عندما اعتبرت مصادرهما أنّ المبادرة “خطوة إلى الأمام”، مشيرين إلى أنّهما ـ أي الثنائي ـ “أبعدا عن الحريري مرّات عديدة كأس السّم الذي أراد أن يُجرّعه إيّاه حلفاؤه”.

ثالثاً: إعترف الحريري في بيان مبادرته بأنّه إتخذ قراره “منفرداً، بمعزل عن موقف رؤساء الحكومات السابقين”، وهو قرار أحدث شرخاً عميقاً في نادي رؤساء الحكومات السابقين الذي ردّوا على الفور معترضين على مبادرة الحريري معتبرين إيّاها “مبادرة شخصية”،  وأنهم “غير ملزمين” بها. يضاف إلى ذلك أنّ الحريري سيجد نفسه محرجاً جدّاً في شارعه، بعدما كرّر اكثر من مرّة تقديم تنازلات لحلفاء وخصوم بعد رفضه لها بداية الأمر، ما أظهره ضعيفاً سياسياً امام الضغوطات والإستحقاقات المفصلية.

رابعاً: إعتبر الحريري في بيان مبادرته أنّ عقدة وزراة المالية “عقبة مباغتة”، لكن الحقيقة ليست كذلك، فمنذ عام 2014 والثنائي الشيعي يتمسك بوزارة المالية لأسباب تتعلق بمطلبهما المشاركة في السلطة التنفيذية إلى جانب رئيس الجمهورية الماروني ورئيس الحكومة السنّي، واعتبار الحريري لها “مباغتة” تظهره جاهلاً أو متجاهلاً لحقائق سياسية عايشها جيداً.

خامساً: أسئلة كثيرة طُرحت حول مبادرة الحريري، وهل أنّها تستند إلى أجواء إيجابية إقليمياً ودولياً لتسهيل تأليف الحكومة، وصلته أصداؤها، فقام بطرحها، أم أنّها قفزة منه في المجهول قد تجعله يدفع لاحقاً، بسببها، أثمان باهظة سياسياً وشعبياً. وماذا عن رأي السعودية ـ مرجعيته السياسية وموقفها من مبادرته، وهل أنّ حلّ عقدة وزراة المالية ستسهم في حلّ العقد الأخرى التي ستعترض تأليف الحكومة، وكيف سيتعامل الحريري مع المعترضين على مبادرته، من حلفائه وخصومه، الذين لن يتوانوا عن مواجهتها، وحتى إسقاطها إنْ استطاعوا.


مواضيع ذات صلة:

  1. إجراءات احتواء كورونا تتعثّر وتحذيرات من ″الأسوأ″ القادم… عبد الكافي الصمد

  2. إنهيار الليرة تأخّر سنتين.. والسّياسات الخاطئة تنذر بالأسوأ… عبد الكافي الصمد

  3. عالم ما بعد كورونا غير: ماذا عن لبنان؟… عبد الكافي الصمد


  

  

Post Author: SafirAlChamal