المبادرة الفرنسية تمدّد لنفسها وتواجه ″شياطين″ التفاصيل… عبد الكافي الصمد

عندما صعد رئيس الحكومة المُكلّف مصطفى أديب عصر أمس إلى القصر الجمهوري في بعبدا للقاء رئيس الجمهورية ميشال عون، كانت بعض الترجيحات تذهب باتجاه أن يُقدّم أديب إعتذاره عن متابعة مهمته، ما يعيد الأمور إلى نقطة الصفر التي تلت إستقالة حكومة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب في 10 آب الماضي.

لكنّ تأجيل لقاء أديب وعون من قبل الظهر إلى ما بعد العصر، وما شهدته هذه الفترة من إتصالات مكثفة ولقاءات عقدها رئيس الحكومة المكلف مع مراجع سياسية عدّة أبرزها لقاءه مع ممثلين عن الثنائي الشيعي، حزب الله وحركة أمل، فضلاً عن إتصالات مماثلة أجراها عون، جعله يطلب من أديب، وفق بيان صادر عن القصر الجمهوري بعد اللقاء، “الإستمرار في الإتصالات الجارية لمعالجة الملف الحكومي، لأن الظروف الراهنة في البلاد تستوجب عملاً إنقاذياً سريعاً، لا سيما وأنه إنقضى 16 يوماً على التكليف، ولبنان ينتظر التفاهم على تشكيل حكومة جديدة”، وهو الأمر الذي استجاب له أديب بتأكيده أنه “اتفقنا مع فخامة الرئيس على التريّث قليلاً لإعطاء مزيد من الوقت للمشاورات لتشكيل الحكومة”.

هذه المشاورات، ووفق المعلومات المتداولة والتسريبات المختلفة، تتمحور حول نقاط عدّة، من أبرزها:

أولاً: يبدو واضحاً أنّ الزخم الذي انطلق به الرئيس المكلف بقوة لتأليف حكومته قد فقد الكثير منه، وتحديداً لجهة ما يتعلق بتشكيله حكومة إختصاصيين بعيدين عن الأحزاب السياسية، بعدما فرضت السّياسة نفسها في نهاية الأمر، وقد أثبتت الأيام الـ17 التي تلت تكليف أديب أن تجاوزه الأحزاب والقوى السياسية في بلد مثل لبنان لتأليف حكومة أمر لا يمكن له أن يحصل.

ثانياً: لمس الفرنسيون أنّ تحديدهم مواعيد زمنية لتأليف الحكومة، هي 15 يوماً لهذه الغاية وفق ما أكّده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عندما زار لبنان في مطلع الشهر الجاري، غداة تكليف أديب، قد أوقعتهم في ورطة، وأن التعقيدات اللبنانية أجبرتهم على تمديد الفترة الزمية أيّاماً إضافية، وهو تمديد لا يصبّ ظاهراً لمصلحة الفرنسيين، لأنهم سيجدون أنفسهم أمام أطراف لبنانية، حلفاء وخصوم على حدّ سواء، لن يتوانوا أبداً عن إبتزازهم لتحقيق مصالحهم، ولو على حساب مصلحة لبنان وهيبة فرنسا معاً.

ثالثاً: كشفت تطوّرات الأيّام الأخيرة عن تباين فرنسي ـ أميركي في لبنان، هو أقل من كباش وأكثر من تبادل أدوار متفق عليه بين الطرفين، خصوصاً بما يتعلق بالموقف من حزب الله، ومن مشاركته في الحكومة. فبعد إنتقاد وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو لفرنسا لأنها ما تزال ترفض تصنيف حزب الله منظمة إرهابية، خصوصاً بعد لقاء ماكرون في بيروت رئيس كتلة حزب الله النيابية محمد رعد، عاد السفير الفرنسي في بيروت برونو فوشيه، أمس، والتقى مسؤول العلاقات الدولية في الحزب النائب السابق عمار الموسوي، وتواصل الحزب وفق تسريبات مع مدير المخابرات الفرنسية برنار إيميه، ما يطرح أسئلة عديدة حول إن كانت الإدارة الأميركية موافقة وتنسق مع الفرنسيين في هذا المضمار، أم أن هناك خلاف جدّي بينهما ما يجعل مصير المبادرة الفرنسية مجهولاً.

رابعاً: برغم التباين الكبير بين الطرفين، تبدو فرنسا وحزب الله معنيين بإنجاح مبادرة الرئيس ماكرون وتأليف الحكومة في أسرع وقت، ولو جرت تعديلات عليها من حيث الشكل والمضمون، وتقديم تنازلات متبادلة. ففرنسا يهمها أن تنجح مبادرتها لما في ذلك من استعادة لدورها في لبنان والمنطقة، وحزب الله يرى في الإنفتاح الفرنسي عليه كسراً للحصار الأميركي الذي يضربه حوله، ما يترك نافذة أمل صغيرة مفتوحة لتحقيق اختراق وتأليف الحكومة، إلا إذا استطاعت شياطين التفاصيل إحباط مساعي الحلّ، وهو ما يبدو مرجّحاً حتى السّاعة.


مواضيع ذات صلة:

  1. إجراءات احتواء كورونا تتعثّر وتحذيرات من ″الأسوأ″ القادم… عبد الكافي الصمد

  2. إنهيار الليرة تأخّر سنتين.. والسّياسات الخاطئة تنذر بالأسوأ… عبد الكافي الصمد

  3. عالم ما بعد كورونا غير: ماذا عن لبنان؟… عبد الكافي الصمد


 

Post Author: SafirAlChamal