هل أسقطت أميركا المبادرة الفرنسية؟… عبد الكافي الصمد

على طبق من ذهب تلقى معارضو المبادرة الفرنسية بخصوص حلّ أزمة تأليف الحكومة اللبنانية ومعالجة الوضع الإقتصادي في لبنان تصريح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الذي انتقد فيه فرنسا لامتناعها عن تصنيف حزب الله منظمة إرهابية من وجهة نظرها، ورأوا في الموقف الأميركي مؤشّراً على عدم رضى إدارة البيت الأبيض عن مسعى قصر الإليزيه بخصوص بلاد الأرز.

معارضو المسعى الفرنسي في لبنان تنفّسوا الصعداء بعد تصريح بومبيو، ووجدوا فيه دعماً لموقفهم الرافض من المبادرة الفرنسية، أو لفرض شروطهم عليهم، ما عكس إرتياحاً ليس في صفوف خصوم فرنسا في لبنان بل بين حلفائها، الذين وجدوا أنفسهم واقعين تحت ضغط غير مسبوق من حليف رئيسي لهم من أجل القبول بمبادرة لا تلبّي طموحاتهم، وتعارض أسلوب مقاربتهم على طريقتهم الخاصّة للواقع السّياسي والملفات الشائكة في لبنان. 

تصريح بومبيو فُسّر بأنّه رفع غير مباشر للغطاء الأميركي عن المبادرة الفرنسية التي قدّمها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم زار لبنان آخر شهر آب الماضي، وإجهاض لشروطه التي وضعها على القيادات اللبنانية التي التقاها في قصر الصنوبر، وأبرزها مهلة الـ15 يوماً التي أعطاها لهم لتأليف الحكومة، ومهدّداً في حال عدم حصول ذلك بأنّ فرنسا ستسحب يدها من لبنان الذي ستنتظره في هذه الحال عقوبات شديدة ووضع إقتصادي بالغ الصعوبة.

وما لم يقله بومبيو صراحة قاله ضمناً، فانتقاده فرنسا لامتناعها عن تصنيف حزب الله منظمة إرهابية، حسب رأيه، يعكس إستياءً أميركياً من التقاء ماكرون مع ممثل حزب الله خلال لقاءاته في قصر الصنوبر، وهو رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، من ضمن اجتماعات ماكرون مع القيادات اللبنانية، وخلوته معه.

خلال الأيّام الأولى التي تلت طرح ماكرون للمبادرة الفرنسية فضّل معارضوها، الحلفاء والخصوم على السواء، التعاطي معها على طريقة “إمتصاص” الصدمة كمرحلة أولى، ومن ثم استيعابها كمرحلة ثانية، قبل الوصول إلى المرحلة الثالثة وهي الإنقضاض عليها وإفشالها وإعادة عقارب السّاعة إلى نقطة البداية.

ويبدو أنّ الفرنسيين جرى جرّهم، من حيث يدرون أو لا يدرون، إلى لعبة الوقت التي تستنزفهم، إذ أضافوا مهلة جديدة لتأليف الحكومة تنتهي يوم الخميس المقبل، لكن تصريح بومبيو أتى ليجهض هذا التوجه الفرنسي، وليعطي دليلاً أنّ المبادرة الفرنسية لا تلقى دعماً وإجماعاً دولياً كما حاول البعض تصويرها، وأنّها أشبه بالقضاء والقدر الذي لا يمكن ردّه.

فقد اصطدمت المبادرة الفرنسية بالواقع اللبناني المعقّد، وسرعان ما سقط الوهم الذي عاشوه بأنّهم قادرين على فرض تأليف حكومة لبنانية حسب رغبتهم ومشيئتهم، بلا إعطاء أي اعتبار لموازين القوى السياسية، اللبنانية والإقليمية والدولية، قبل أن يعترفوا بعد فوات الأوان أنّ الكتل النيابية التي جرى عمداً تجاهلها ومحاولة تجاوزها بأنها تمثل الشعب اللبناني وأنها هي التي تعطي الثقة أو تحجبها عن الحكومة، وبالتالي يجب الإعتراف بها والتشاور معها لهذه الغاية.

ولعلّ إلقاء نظرة على حجم النفوذ الخارجي في لبنان، تكفي للدلالة أنّ فرنسا لا تتقدم دولاً كأميركا والسعودية وإيران وسوريا في هذا المضمار، وأنّ إتفاقات سابقة أنهت الأزمات في لبنان، مثل اتفاق الطائف عام 1989 واتفاق الدوحة عام 2008، لم يكتب لها النجاح إلا بعد موافقة الأطراف المذكورة مجتمعة، وبعد التشاور، وإلا فإنّ تفرّد أي طرف بالحل دون بقية الأطراف سيجعل مصيره الفشل.


مواضيع ذات صلة:

  1. إجراءات احتواء كورونا تتعثّر وتحذيرات من ″الأسوأ″ القادم… عبد الكافي الصمد

  2. إنهيار الليرة تأخّر سنتين.. والسّياسات الخاطئة تنذر بالأسوأ… عبد الكافي الصمد

  3. عالم ما بعد كورونا غير: ماذا عن لبنان؟… عبد الكافي الصمد


 

Post Author: SafirAlChamal