لبنان بين المطرقة والسندان.. ما هو البديل لهذا النظام الهجين؟

بقلم: ريما ايعالي حلواني

لم يستفق اللبنانيون بعد من هول الكارثة، فبعضهم ما زال ينتظرعودة ابنائه او اشلائهم، وبعضهم عائد للتو من دفنهم.. والغالبية تعيش حالة التشرد القاسية بعد تدمير منازلها..

واثر ذلك نزلت الناس الى الساحات تعبيراً عن حزنهم وغضبهم من سلطة فقدت شرعيتها وتحارب باستشراس على ما تبقى من مكاسب.. وبدل ان تلملم جراحهم، اعادتهم الى المستشفيات جرحى بالمئات..

اللبناني اليوم بين المطرقة والسندان، بين مستقبل دُمّر بالكامل.. وصفر ملّ البدء منه كل مرة، وبين القادم المجهول من الايام، سواء بقيت هذه الطبقة او رحلت..

حالة من الذهول الجماعي سوف لن ينساها اللبناني مدى الحياة.. كاقتلاع شجرة معمرة جذورها ضاربة في عمق التاريخ… وحدها المحاسبة تبلسم الجراح وتُهدئ  النفوس.

ما هي مطالب اللبنانيين ؟؟

مطالب اللبنانيين اليوم تنادي برحيل هذه السلطة من راس الهرم، حتى اخر نائب، واجراء انتخابات نيابية مبكرة، تقتلع فيها صور هذه الشخصيات  من ذاكرتهم، التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بقتلهم وتشريدهم. ومع توالي الاستقالات النيابية والوزارية، وفقدان شرعية هذه المنظومة سؤال كبير يطرح نفسه: ما الذي سيتغير بسقوط هذه الحكومة؟

ببساطة شديدة ستعمل السلطة على اعادة انتاج نفسها من جديد، وكما  في كل مرة “عود على بدء”….

ان العقد السياسي والاجتماعي الجديد، الذي تحدث عنه ماكرون، في زيارته الاخيرة الى لبنان، كان ذو وجهين متضاربين، وجه حمّل اللبنانيين مسؤولية من انتخبوا في صناديق الاقتراع، متغافلاً عن ان فساد السلطة ضرب عقول الناس قبل الصناديق.. ووجه ثان كان للسلطة، بضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية. وهنا اصل المشكلة.. فمن اوصل لبنان الى هذا الحد من الخراب هي حكومات الوحدة الوطنية.. فماذا تريد فرنسا او المجتمع الدولي من لبنان، خاصة ان مؤتمر باريس الاخير بعد الكارثة، اوصى بالاموال ان تذهب الى المنظمات غير الحكومية وليس الى الدولة اللبنانية. اذا لا ثقة لفرنسا والغرب بهذه السلطة.. تناقض الطرح الفرنسي بالشكل يؤكد التوافق الفرنسي- الاميركي فيما يتعلق بلبنان. اذ لا يختلف اثنان على ان لبنان ضمن مخطط اقليمي يُعيد تكوين صورة الشرق.

هناك نقطتان اساسيتان يبنى عليهما الموقف الاميركي، اميركا تريد من لبنان كما تريد من اي دولة في العالم، ان تقول الامر لي، بغض النظر عن ان تكون هذه الدولة عدوة، صديقة، حليفة او محايدة وهذا حال الايغو الاميركي، وتريد من لبنان كما من دول المنطقة ان يبقى امن اسرائيل محفوظاً. وبعد البندين المتقدمين تأتي المصالح الاقتصادية والاستثمار. يكاد يكون الدور الفرنسي متماهيا مع المطالب الاميركية، الا من انطباع عاطفي يسّوقه الجانب الفرنسي للعقول اللبنانية بكل احتراف.

اما عن موضوع تغيير نظام الحكم في لبنان والعقد الاجتماعي الجديد. فهما لا فرق عندهما بشكل النظام، طالما هذا النظام يؤمّن مصالحهما.

جوهر كلام ماكرون هو تغيير منهجية الحكم، وهو ما يُبنى عليه. نحن بحاجة الى التغيير، والخروج من عنق الزجاجة والتقسيمات الطائفية، التي اوصلتنا الى هنا.

اذاً الأزمة أزمة نظام كامل، وخوف الطوائف او اذا صح التعبير امراء الطوائف على مغانمهم ومكتسباتهم الشخصية قبل الطائفية على حساب الكفاءات والامكانات…

لا يمكن ان يكون هناك حل، ما لم تتغير عقلية دولة لبنان الكبير، لن يكون هناك حل اذا لم نقم بخطوة جديدة تبث فينا روح الامل..

نحن بحاجة الى توافق شعبي او استفتاء عام، حول اي نظام نريد.. ونماذج الانظمة القابلة للعيش كثيرة ومتعددة. لكن الأكيد أن هذا النظام لم يعد قابلاً للعيش..

1ـ النظام المدني: هو النظام الذي يحافظ ويحمي كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الدينية أو الفكرية. ويتوافر فيه عدة مبادئ أهمها:

ـ السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات. (اي لا يوجد مواطن مسلم او مواطن مسيحي، بل فقط مواطن).

ـ لا يخضع أي فرد فيها لانتهاك حقوقه من قبل فرد آخر أو طرف آخر. فهناك دوماً سلطة عليا هي سلطة الدولة والتي يلجأ إليها الأفراد عندما يتم انتهاك حقوقهم. فالدولة هي التي تطبق القانون وتمنع الأطراف من أن يطبقوا أشكال العقاب بأنفسهم. (حكم الميليشيات)

ـ المواطنة وتعني أن الفرد يُعرف تعريفاً قانونياً اجتماعياً بأنه مواطن، أي أنه عضو في المجتمع له حقوق وعليه واجبات. وهو يتساوى فيها مع جميع المواطنين. وهذا ما نحتاجه في لبنان الذي يفتقد للانتماء والمواطنة.

ـ فصل الدين عن السياسة. (اي لا يوجد مرجعية السنّة ولا مرجعية الشيعة ولا رأس الهرم الماروني..) ومن امثلة البلاد المدنية اوروبا واميركا.

2ـ الفدرالية: النظام الفدرالي هو اتحاد بين عدد من الولايات أو المحافظات، تحت مظلة الجمهورية، كما تحتفظ المحافظات ضمن الاتحاد، على سلطات محلية منفصلة عن الحكومة المركزية. في النظام الفدرالي هناك تقسيم للسلطات والمهام بين الحكومة الوطنية “الفدرالية”، وبين التقسيمات الفرعية الموجودة كالولاية أو المقاطعة أو المحافظة. في حين أن كل محافظة تدير هذه السلطات والمهام بها بشكل مختلف، فان الأمن القومي، الدفاع، السياسة المالية والمسائل الأخرى ذات البعد القومي هي من اختصاص الحكومة الفدرالية، في حين أن مسائل من قبيل الطرق، صيانة البنية التحتية، سياسة التعليم هي من اختصاصات المستوى المحلي. ومن البلدان التي تتبع النظام الفدرالي الولايات المتحدة الاميركية، وسويسرا.

النظام العلماني: هو نظام يضمن سياسة محايدة تجاه القضايا المتعلقة بالدين. كما أن الدولة العلمانية تعامل جميع مواطنيها بشكل متساو بغض النظرعن انتماءاتهم أو أفكارهم الدينية. بعض من الدول علمانية دستوريَا مثل كندا، الهند، فرنسا، الولايات المتحدة، تركيا وكوريا الجنوبية، رغم أن أيا من هذه الدول ليست متطابقة في أشكال الحكم. في نفس الوقت لايمكن بالضرورة اعتبار الدولة التي لا تمتلك دي رسم للدولة دولاً علمانية بالضرورة.

اخيراً علينا ان نعرف ان كل هذه الانظمة بدون استثناء، افضل من هذا النظام الهجين الممسوخ الذي دمر لبنان، ولم نعد نملك ترف الوقت. فهل يستطيع اللبناني الجريح تغيير مئة عام من التبعية؟.

Post Author: SafirAlChamal