زيارة ماكرون وميثاقه السّياسي الجديد: بديلٌ للطائف أم لملء الفراغ؟… عبد الكافي الصمد

شكّلت الزيارة الخاطفة واللافتة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أول من أمس إلى لبنان، بعد يومين من الإنفجار الضخم الذي شهده مرفأ بيروت في 4 آب الجاري، تأكيداً على اهتمام دولي واسع بلبنان، وبأنّه غير متروك في الأوقات الصعبة، في موازاة إهتمام عربي ودولي بدعمه ومساعدته في تجاوز محنته، بشكل بدا معه مشهد قوافل المساعدات الواصلة إلى مطار بيروت، وكأنّه كسر للعزلة العربية والخارجية منذ تشكيل حكومة الرئيس حسّان دياب في 21 كانون الثاني الماضي.

وإذا كانت التحقيقات القضائية جارية حول أسباب الإنفجار وحول من يتحمّل مسؤوليته، وإذا كانت المساعدات التي تصل إلى لبنان تسهم بشكل أو بآخر بتخفيف عبء وتداعيات الإنفجار على المواطنين المتضرّرين، وإذا كانت عمليات إصلاح وتأهيل ما دمّره الإنفجار قد بدأت ولو بشكل خجول، فإنّ المضمون السّياسي لزيارة ماكرون، والمواقف التي أطلقها خلال الزيارة، أمر يستدعي التوقف عنده بإمعان.

أبرز ما قاله ماكرون، سواءٌ أمام السّياسيين أو في تصريحاته الصحافية أو أمام المواطنين الذين التقاهم في شوارع العاصمة، هو دعوته إلى “تغيير النظام” ودعوته القيادات اللبنانية إلى “إصلاحات”، ومقترحاً عليهم “ميثاقاً سياسياً جديداً”، وهي مواقف تعني بما لا يقبل التأويل إعادة النظر باتفاق الطائف، إما بتعديله أو إيجاد بديل عنه.

إلا أن ما قاله ماكرون لم يكن هو اللافت فقط، بل الصمت المطبق الذي خيّم على فريق 14 آذار الذي بدا وكأنّ مكوناته الذين يصفون أنفسهم بـ”القوى السيادية” قد بلعوا ألسنتهم، إذ لم يتبرّع أحد منهم بالردّ على ماكرون، علماً أنّ هذا الفريق كان يستنفر كل قواه عندما كان أي طرف داخلي أو خارجي يتطرق لاتفاق الطائف سواء بالدعوة إلى تعديله أو الدعوة إلى مؤتمر تأسيسي جديد، أو حتى بتنفيذ البنود التي لم تنفذ بعد من هذا الإتفاق، إذ كانت أي دعوة تصدر في هذا السياق يرونها وكأنّها بمثابة دعوة إلى اندلاع حرب أهلية جديدة.

كلام ماكرون لم يخفف منه تفسير رئيس تيار المردة سليمان فرنجية له بأنّه “دعوة لتغيير أسلوب العمل لا تغيير النظام”، ولا ما قاله رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد من أنّ “المشكلة هي أنّنا لا ننفذ ما نتفق عليه، واتفاق الطائف مثال على ذلك”، ما سيفتح الباب أمام سجالات سياسية واسعة.

الرئيس الفرنسي الذي توقف المراقبون عند خلوته مع النائب رعد بعد لقائه القيادات اللبنانية في قصر الصنوبر، سواء في الشكل أو في المضمون الذي لم يكشف النقاب عنها بعد، فإنّ ما قاله بحقّ السلطة اللبنانية وعدم ثقته بها، بقوله إنّ المساعدات للمتضررين لن تسلم إلى الدولة اللبنانية بل إلى هيئات وجمعيات المجتمع المدني، داعياً إلى أن تكون بإشراف الامم المتحدة، أتى الردّ عليه من رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل الذي قال إنّ “ما سمعناه من الرئيس ماكرون كان فشّة خلق!”.

زيارة ماكرون إلى لبنان، برأي المراقبين، كانت لامتصاص صدمة اللبنانيين بانفجار مرفأ بيروت، وملء الوقت الضائع من هنا حتى التوصّل إلى هدنة مؤقتة أو تسوية ما في المنطقة، لن يكون لفرنسا الدور الرئيسي فيها بالنسبة للدول الغربية، إنّما سوف يكون للولايات المتحدة الأميركية بشكل رئيسي، وهي هدنة أو تسوية لم تتضح معالمها بعد، بانتظار قدوم ماكرون مرة جديدة إلى لبنان في شهر أيلول المقبل، بمناسبة الإحتفال بمئوية ولادة “دولة لبنان الكبير” التي تمّت على أيدي الفرنسيين من قصر الصنوبر في بيروت، وهي 100 عام كانت كافية ليتغير المشهد كليّاً في لبنان والمنطقة والعالم.


مواضيع ذات صلة:

  1. إجراءات احتواء كورونا تتعثّر وتحذيرات من ″الأسوأ″ القادم… عبد الكافي الصمد

  2. إنهيار الليرة تأخّر سنتين.. والسّياسات الخاطئة تنذر بالأسوأ… عبد الكافي الصمد

  3. عالم ما بعد كورونا غير: ماذا عن لبنان؟… عبد الكافي الصمد


 

Post Author: SafirAlChamal