اللبنانيون أمام خيارين مرّين: الموت فقراً أو الموت بالكورونا… عبد الكافي الصمد

تكفي متابعة التطوّرات والمواقف التي شهدها لبنان الأسبوع الماضي ليخرج المرء بانطباع مؤكّد أنّ الوضع في البلد مزري إلى أبعد الحدود، وعلى كلّ الصعد، وأنّ بارقة الأمل التي بقي اللبنانيون يتمسكون بها في السابق خلال كلّ أزمة لا تبدو موجودة حالياً، بعدما بلغ الإنهيار العام في لبنان مستويات غير مسبوقة.

فاللبنانيون محاصرين هذه الأيّام بسلسلة من الأزمات التي تبدو مستعصية على الحلّ؛ إذ كلما لاح بصيص أمل بوجود إنفراجة ولو صغيرة، يتضح أنّ كلّ ذلك ليس سوى سراباً لا يغني ولا يسمن من جوع اللبنانيين لحلول لأزماتهم تبدو وكأنّها حلم بعيد المنال.

إلى جانب أزمة النّظام التاريخية، والأزمة السّياسية وأزمة اللاجئين الفلسطينيين والنّازحين السوريين، عدا عن أزمات اخرى، تهيمن الأزمة الاقتصادية والمالية فضلاً عن أزمة فيروس كورونا كوفيد ـ 19 على حياة اللبنانيين بكلّ أشكالها.

الأزمة الإقتصادية والمالية بدأت ملامحها بالظهور مع اندلاع شرارة الحراك الشعبي في 17 تشرين الأول الماضي، حيث بدأ بعدها انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية تدريجياً أمام الدولار الأميركي، بالتزامن مع ركود إقتصادي وإغلاق آلاف المؤسسات والمصالح أبوابها، وتسريح آلاف الموظفين والعمال، ما رفع نسب البطالة والفقر والعوز إلى مستويات غير مسبوقة، ما جعل الجوع يطرق أبواب اللبنانيين، معيداً تذكيرهم بالمجاعة التي شهدها بلدهم أيّام الحرب العالمية الأولى.

للخروج من هذه الأزمة أمل اللبنانيون من الدول الصديقة لبلدهم مدّ يد العون، لكن الكلّ نفض يده، لأسباب مختلفة، منها أنّ أغلب الدول تعاني هذه الأيام من أزمات مالية وإقتصادية خانقة على خلفية تداعيات أزمة فيروس كورونا، فضلاً عن عدم ثقتهم بالطبقة السياسية الحاكمة في لبنان بسبب غرقهم وإغراقهم البلد معهم في مستنقع فساد هائل.

الأسبوع الماضي زار لبنان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، وهي زيارة إستبشر بها كثيرون في بلد منهك، لكن بعد ثلاثة أيام أمضاها لودريان في بلاد الأرز غادر وهو يترك إنطباعا سيئاً عن هذا البلد، ومغلقاً الباب أمام أي أمل بالمساعدة.

خلاصة الزيارة يمكن تلمّسها في الإنطباعات التي عبّر عنها النائب الفرنسي غويندال رويار، الذي رافق لودريان في زيارته إلى لبنان، إذ حذّر من “الوضع الخطير في لبنان”، ورأى أنه أمام “خطر الموت”، متحدثاً عن أزمات البطالة والتضخّم والفساد والتلوث، ما جعله في نهاية المطاف يخلص إلى أن لبنان “دولة فاشلة”.

ولفت رويار إلى أن لودريات ذكّر المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم بأنّ خطّة صندوق النقد الدولي وأموال مؤتمر سيدر (قروض بقيمة 11 مليار دولار) مشروطة بإصلاحات بنيوية لم تقم بها الحكومة الحالية ولا الحكومات المتعاقبة”، وأنّ “الخطة باء” غير موجودة ولن تكون موجودة ، على عكس ما يقوله مصرف لبنان وجمعية المصارف، والسبب بسيط، فالبلد في حالة تخلّف عن السداد، والمصارف مفلسة والدائنون ينتظرون إجابات، ولن يكون بيع أصول الدولة الحلّ للمشاكل على المدى الطويل، لأنّه بدون إصلاحات لن نقدّم أي مساعدة لنظام غير كفوء يملؤه الفساد والتلاعب”.

وفي حين تبدو أبواب حلّ الأزمة الإقتصادية والمالية مغلقة بإحكام، فإنّ الأبواب مشرّعة أمام تفشّي فيروس كورونا على نطاق واسع في لبنان، الذي يتزايد إنتشاره في البلد يوماً بعد آخر، حاصداً المزيد من الإصابات والوفيات، ومنذراً بأيّام سوداء تنتظر لبنان في الخريف المقبل.

مؤشّرات ذلك ما حذّر منه مدير مستشفى بيروت الحكومي فراس أبيض أمس من أنّه “نحن على وشك فقدان السيطرة على وباء كورونا”، وأنّ “لبنان يقف أمام خيارات صعبة”، قبل أن يتبعه وزير الداخلية محمد فهمي أمس بزفّ نبأ سيّىء إلى اللبنانيين بأن “الوضع سيّىء ولا يحتمل، وأنّه فقدنا السيطرة على الفيروس”.

لكن فهمي الذي أشار إلى أنّه “لن نغلق المطار لأسباب إقتصادية، ولكنّ النقاش يدور حول خفض عدد الوافدين”، مستبعداً “الإقفال التام للبلد حتى الآن، وشلّ مرافقه”، أكد بالمقابل أن اجتماعاً سيعقد اليوم “ستتخذ فيه تدابير قاسية لتنفيذ التعليمات”.


مواضيع ذات صلة:

  1. إجراءات احتواء كورونا تتعثّر وتحذيرات من ″الأسوأ″ القادم… عبد الكافي الصمد

  2. إنهيار الليرة تأخّر سنتين.. والسّياسات الخاطئة تنذر بالأسوأ… عبد الكافي الصمد

  3. عالم ما بعد كورونا غير: ماذا عن لبنان؟… عبد الكافي الصمد


 

Post Author: SafirAlChamal