هل تستعيد فرنسا حضورها التاريخي في لبنان؟… مرسال الترس

لو كان الجنرال الفرنسي هنري غورو يُدرك أن لبنان الذي رسمه في العام 1920 سيصبح مرتعاً للأميركيين (الذين ورثوا البريطانيين) لكان أعاد التفكير مئة مرة قبل إعلانه دولة لبنان الكبير في الأول من أيلول من ذلك العام!

فالصراعات الفرنسية البريطانية أثناء استعمارهما للعديد من المناطق على الكرة الأرضية لم تتحدد بأفق، ولعل أبسط مظاهرها ما كان يحصل في لبنان. فبالرغم من الانتداب الفرنسي على هذه “البقاع” بعد إعلان سقوط الدولة العثمانية إثر الحرب العالمية الأولى، وحتى الأستقلال في العام 1943، كانت التدخلات البريطانية تؤدي إلى تبدلات جوهرية في إختيار هذا الرئيس أو ذاك المسؤول أو في تأجيج  صراعات محددة بين أبناء هذه الأرض التي رُسم لها أن تضم ثماني عشرة طائفة لتبقى عرضة للتناحر والتقاتل عند الحاجة إلى ما شاء الله، وبخاصة بعد زرع الكيان الصهيوني على ارض فلسطين كدولة محورية لليهود.

لذلك، ولمعطيات أوسع وأشمل، لم يعوّل اللبنانيون على هبوط “المن والسلوى” مع حلول وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في بيروت لاسيما بعد توجيهه رسالة  صريحة الى اللبنانيين قبيل الزيارة قال فيها:”ساعدوا انفسكم لنساعدكم”.

فاللبنانيون الذين صدموا بمسؤولين وسياسيين نهبوا الهيكل بكل ما فيه من مقومات لم يعودوا بحاجة لنصائح وخصوصاً إذا كانت آتية “من الغرب الذي لا يسرّ القلب”. ففرنسا شارل ديغول التي باعت لبنان طائرات ميراج المتطورة في الستينيات لحماية أجوائه، والتي إتخذت موقفاً حازماً في السبعينيات بعد تدمير اسرائيل اسطول النقل المدني لطيران الشرق الأوسط على أرض مطار بيروت الدولي، تاتي اليوم عبر لودريان بمساعدات خجولة تقتصر على مستوى الأرساليات والمدارس الفرنسية فقط، وبشيكات صداقة وتضامن لن تجد مصرفاً لتسييلها في سجل العلاقات الدولية وبخاصة في ظل الأوضاع المقلقة التي يعيشها الشرق الأوسط.  

والواضح أن لودريان سعى لحفظ ماء وجه فرنسا التي كانت أماً حنونة للبنان وهو يدرك جيداً أن مفاعيل “سيدر” التي قال أنها لا تزال قائمة لا يمكن تحريك أي جزء منها الاّ بما يمليه صندوق النقد الدولي الذي يرضخ للادارة الأميركية.

ولودريان الذي تحدّث بسقف “الفرنكوفونية” كان بليغاً حين قال: “أتيت لاحمل رسالة مفادها ان الوقت حرج للغاية ولبنان يواجه وضعاً حرجاً للغاية”.

فالجميع في لبنان باتوا يدركون ان الإهتمام الفرنسي بلبنان لن يستطيع تخطي السقوف التي رسمتها الأدارة الأميركية التي تضع المصالح الأسرائيلية في رأس اهتماماتها ولذلك سيبقى القداس السنوي الذي يقيمه البطريرك الماروني على نية فرنسا هو السقف الأعلى للعلاقة بين لبنان و “أمه الحنون” التي حضنته لبضعة عقود قبل أن تنسفها البراغماتية الأنغلوسكسونية إلى أجل غير مسمى.


مواضيع ذات صلة:

  1. تجهيل الفاعل.. سيأخذ البلاد إلى الأسوأ… مرسال الترس

  2. مَن يتّهم مسيحيي لبنان بالعمالة لاسرائيل؟… مرسال الترس

  3. عندما تختلط ″الكورونا″ اللعينة بالاعتبارات الموبوءة!… مرسال الترس


 

Post Author: SafirAlChamal