مخارج الحلول مسدودة والثّقة غائبة: من يمنع إنهيار الهيكل؟… عبد الكافي الصمد

خلال الأيّام القليلة الماضية عكف أهل السلطة في لبنان على ضخّ معلومات أشبه بالمخدّر، في محاولة منها لبثّ نوع ولو بسيط من الإطمئنان في نفوس المواطنين والدول والجهات المانحة، تفيد بأنّ البلد يسير على السكة الصحيحة، وأنّ جلسات التفاوض العديدة التي أجرتها السلطات أو من يمثلها مع وفد صندوق النقد الدولي الذي يزور لبنان، ستفضي إلى وضع خارطة طريق بهدف إخراج البلد من أزماته، المالية تحديداً، وأنّ الدخان الابيض إيذاناً ببدء تنفيذ بنود هذه الخارطة سيظهر قريباً.

لكن هذه التعمية على حقائق الأمور وتعقيداتها، ومحاولات إخفاء حقيقة ما يدور بين السلطات الرسمية ووفد صندوق النقد الدولي من نقاشات وحوارات، من أجل إيجاد حلول ما، ومخارج معينة للأزمات المالية والإقتصادية التي يعاني منها لبنان، وسط دعوات أن تكون الجلسات بين طرفي المباحثات سرّية وعدم تسريب أي شيء عنها، خشية فضح ما يجري فيها من مداولات، أتت نتائجها عكسية، وكشفت حجم التخبط الإقتصادي والمالي في لبنان، والذي يعود إلى قرابة 3 عقود تقريباً.

فبعد صدور مؤشّرات سلبية وتسريبات في أكثر من وسيلة إعلامية، عن أنّ جلسات النقاش الطويلة والعديدة بين السلطات اللبنانية ووفد صندوق النقد الدولي لم تتوصل إلى أي نتيجة، ووسط صمت رسمي لبناني عن ما جرى من نقاشات، وتساؤلات عن مصير الخطّة الحكومية للإنقاذ التي أقرتها الحكومة برغم ملاحظات عديدة عليها، خرجت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، في حديث أدلت به إلى محطة “الحدث” الفضائية أول من أمس، لتعلن نعيّ نتائج جلسات النقاش بقولها بوضوح “إننا لم نتوصل إلى اتفاق مع حكومة لبنان”.

وأقرت غورغييفا، بما يشبه تقييماً عامّاً لجلسات النقاش العديدة التي جرت بين وفد الصندوق والسلطات اللبنانية، بأنه “توجد بعض المشكلات الهيكلية في لبنان، سواء في القطاع المصرفي أو تقاسم أعباء الإصلاحات في فئات المجتمع”، معتبرة أنّ “المطلوب هو إشراك الجميع. هناك من يتعين عليهم تقديم تضحيات من أجل مستقبل لبنان، لكن ليس واضحاً أنّ ثمّة اتفاقاً على توحيد الجهود من أجل مستقبل لبنان”، مؤكدة أن “ما نريد رؤيته يتحقق هو أن تقوم الحكومة اللبنانية والمصرف المركزي وأصحاب العلاقة الرئيسيون في لبنان (لم تسمهم) بتبني موقف واحد وحاسم لتبني برنامج يكون في وسعنا دعمه”.

ما كشفته المديرة العامة لصندوق النقد الدولي في تصريحها يؤكّد المخاوف التي سرت خلال جلسات التفاوض بين لبنان ووفد الصندوق من أنّ الحكومة اللبنانية لا تمتلك خطة واضحة من أجل مدّ الصندوق يد المساعدة للبنان، كما يؤكّد وجود تضارب في مواقف الأطراف المحليين من معالجة الأزمة الإقتصادية، من الحكومة إلى وزارة المال إلى المصرف المركزي إلى جمعية المصارف، وتحديداً بما يتعلق بأرقام الدين العام وموجودات المصرف المركزي وعجز الموازنة وغيرها من النقاط الهامّة في هذا المجال، من هنا جاءت دعوة غورغييفا اللبنانيين إلى “تبني موقف واحد وحاسم”، كي يُسهّل على الآخرين مساعدتهم، وإلا لا مساعدات ولا من يحزنون.

كل ذلك يأتي ليؤكد، إلى جانب اعتذار دول عربية عن تقديم مساعدات للبنان كان آخرها الكويت، ليس عدم فشل السلطات بإيجاد المخارج والحلول للأزمة الإقتصادية والمالية الخانقة، ولا عدم قدرتها على نيل ثقة الداخل والخارج معاً، بل يؤكّد أنّ الإهتراء أصاب هيكل الدولة في لبنان على نحو بات يهدد بانهياره فوق رؤوس الجميع.


مواضيع ذات صلة:

  1. إجراءات احتواء كورونا تتعثّر وتحذيرات من ″الأسوأ″ القادم… عبد الكافي الصمد

  2. إنهيار الليرة تأخّر سنتين.. والسّياسات الخاطئة تنذر بالأسوأ… عبد الكافي الصمد

  3. عالم ما بعد كورونا غير: ماذا عن لبنان؟… عبد الكافي الصمد


 

Post Author: SafirAlChamal