الجوع يطرق أبواب اللبنانيين.. إلى أين؟… عبد الكافي الصمد

″إلى أين؟″.. السؤال الشهير الذي كان يسأله رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط دائماً، من غير أن يجيب عليه، أو يكتفي بإجابة مبهمة، بات يسأله معظم اللبنانيين اليوم، سواء لأنفسهم أو للآخرين، من غير أن يجدوا جواباً عليه، لا مبهماً ولا واضحاً، ولا ناقصاً ولا كاملاً، إنما بقي سؤال غامض يثير الكثير من القلق والخوف من المرحلة المقبلة.

يوم الجمعة الماضي أجاب جنبلاط على سؤاله الشهير، ولو باقتضاب يحمل الكثير من العبر والمعاني، بعد زيارته منزل رئيس مؤسسة العرفان التوحيدية الراحل الشيخ علي زين الدين في بلدة الخريبة ـ الشوف، ونشر كلامه بالصوت والصورة في مقطع فيديو إنتشر كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الإجتماعي.

إنطلق جنبلاط في كلامه أمام مشايخ وفاعليات درزية من معلومات ثابتة لديه تفيد أن “الليرة اللبنانية في انهيار”، قبل أن يضيف محذراً من أنّه “لا نريد الإنفعال وقطع الطرق كما يفعل غيرنا في مناطق عدة، لأنّ قطع أي طريق في منطقتنا فإنّما نقطعه على أنفسنا”.

زعيم المختارة الذي اعترف بالأزمة وضغوطاتها على المواطنين، بعث بما يشبه رسالة الإطمئنان لجماعته بقوله: “نحن نقوم بجهد مع محسنين لتوفير الحد الأدنى من الإكتفاء الذاتي كالقمح أو المازوت وغيرهما”، قبل أن يشير بما يشبه النعي إلى أن “الحياة السابقة والرفاهية إنتهت، وسنعود إلى حياة الأجداد”، ناصحاً أهالي الجبل بشكل مباشر بـ”تربية الأبقار والأغنام والماعز والدجاج”، لأنّ “غلاء اللحوم والسلع الغذائية يتطلب منا تحصيناً لمقومات العيش”، قبل أن يزيد من توقعاته السلبية التي التقطتها “أنتيناته”، التي اشتهر بها، “المزيد من انقطاع الكهرباء والتقنين، وكذلك مادة المازوت”.

كلام جنبلاط دفع كثيرين في طرابلس والشّمال إلى التساؤل: “إذا كان هذا حال زعيم الدروز وجماعته، فكيف سيكون حالنا؟”. هذا السؤال كانت له دوافع مختلفة، فالفقر الذي تعانيه مدينة طرابلس يعدّ الأكبر في لبنان، إذ قرابة 70 % من سكانها يعيشون تحت خط الفقر، ومن شأن الأزمة أن تزيد الفقر والعوز والجوع استفحالاً، من غير أن تشير أي معطيات مطمئنة إلى أنّ الأزمة المعيشية المقبلة ستمر على المواطنين بأقلّ الخسائر، وأنّ هناك من سيخفف عنهم هذه المعاناة التي بدأت بالدخول إلى بيوتهم.

في الآونة الأخيرة كثر الكلام عن أن الأزمة الإقتصادية والمعيشية التي تضرب لبنان هذه الأيّام ستعيده مئة سنة إلى الوراء، لكن إذا عدنا هذه المدّة الزمنية إلى الوراء، سنجد أن لبنان قد عانى ويلات الحرب العالمية الأولى، جوعاً وموتاً وهجرة، برغم أن اقتصاد لبنان وجميع المنطقة كان قائماً على الزراعة بالدرجة الأولى، وهو قطاع تراجع في السنوات الأخيرة إلى حدود دنيا، جعل 80 % من حاجيات لبنان الزراعية تستورد من الخارج، بعدما كان لبنان، وتحديداً عبر سهل البقاع، يعتبر سلّة غذاء كافية له ولجواره.

قبل مئة سنة كانت طرابلس تزدهر ببساتين الحمضيات التي جعل إسم “الفيحاء” الذي تلقب  المدينة به مشتق من زهره، إلى جانب بقية الزراعات، ما جعل المدينة مكتفية زراعياً وغذائياً، كما أن المناطق المحيطة بها كانت الزراعات المختلفة مزدهرة بها، وكانت تمد الأهالي بكل أنواع المواد الغذائية، إلى أن اختفى أو تراجع كل ذلك في السنوات الأخيرة، إلى حدّ أن منطقة عكار، التي يعدّ سهلها الواسع سلة غذاء طرابلس والشمال، باتت تعيش في قسم كبير منها على تهريب السلع الزراعية من سوريا، وهو تهريب من شأنه إذا توقف أن يجعل الجوع يطرق أبواب عكّار والشّمال بقوة.

“إلى أين؟”. سؤال طرحه جنبلاط وعثر على إجابة عليه، أقله بالنسبة لجماعته. في طرابلس والشمال عندما يسأل المواطنون هذا السؤال كيف وأين سيعثرون على إجابة عليه؟.


مواضيع ذات صلة:

  1. إجراءات احتواء كورونا تتعثّر وتحذيرات من ″الأسوأ″ القادم… عبد الكافي الصمد

  2. إنهيار الليرة تأخّر سنتين.. والسّياسات الخاطئة تنذر بالأسوأ… عبد الكافي الصمد

  3. عالم ما بعد كورونا غير: ماذا عن لبنان؟… عبد الكافي الصمد


 

Post Author: SafirAlChamal