أزمة لبنان الإقتصادية حلّها في سوريا: من يفتح الباب؟… عبد الكافي الصمد

قبل أيّام نشرت وكالة الصحافة الفرنسية تحقيقاً مصوّراً حول الأزمة الإقتصادية في لبنان  “وغرق شرائح كاملة من المجتمع في الفقر”، حسب قولها، من خلال تصوير البرّادات الفارغة لعائلات لبنانية في بيروت وطرابلس وصيدا وجونية وجبيل، إنتشر بشكل واسع على وسائل التواصل الإجتماعي للدلالة على حجم المأساة الإقتصاديّة والمعيشية في لبنان.

أعطت صور البرّادات الفارغة إنطباعاً عن حجم الصعوبات التي يعانيها أغلب اللبنانيين في تأمين لقمة عيشهم، وعن معاناة عاشها كثير منهم أيّام الحرب الاهلية والإعتداءات الإسرائيلية على لبنان، عندما كان الحصار الذي كانت تفرضه بعض المليشيات على مناطق معينة وكذلك الحصار الإسرائيلي، يجبران لبنانيين بأن تفرغ برّاداتهم من مؤوناتهم، وحتى من لقمة الخبز، ويعيشون على القلّة إلى حين فكّ الحصار، ولو جزئياً، ووصول مساعدات إليهم لإنقاذهم من براثن الموت جوعاً.

لكن التحقيق المصوّر الذي نشرته وكالة الصحافة الفرنسية أظهر برّادات اللبنانيين فارغة في غير زمن الحرب الأهلية أو الإعتداءات الإسرائيلية، إنّما في زمن أقسى أزمة إقتصادية يعاني منها اللبنانيون في حياتهم، وجعلت الليرة اللبنانية تنهار أمام الدولار الأميركي وبقية العملات على نحو غير مسبوق، وفي فترة زمنية قياسية لا تتجاوز 8 أشهر، بمعدّل خمسة أضعاف تقريباً، وتراجع الإحتياط في مصرف لبنان المركزي من العملات إلى حدود دنيا، وسط أزمة سياسية حادّة وانقسام عمودي يشبه ذلك الذي ساد قبل الحرب الأهلية عام 1975 أو الإجتياح الإسرائيلي عام 1982، ووسط منطقة تغلي بالإضطرابات الداخلية والصراعات الخارجية على مواقع النفوذ والثروة فيها.

كل ذلك يحصل فيما الجهات المعنية، من حكومة وقوى وأحزاب وتيارات سياسية فاعلة تبدو غائبة عن السمع والمشهد، وكأنّ الأمر لا يعنيها، وكأنّ ملامح المجاعة المقبلة هي في بلد آخر وليس في لبنان، وكأنّ هذه الجهات التي تحاول نفض يدها ممّا وصل إليه لبنان من أزمات، لم تكن هي المسبّب الرئيسي له بسبب فسادها وسياسة المحاصصة التي اتبعتها منذ نحو 3 عقود تقريباً، وما تزال.

وزاد من استفحال الأزمة الإقتصادية والمالية والمعيشية التي يعاني منها اللبنانيون، والتي جعلتهم في غضون هذه الأشهر يخسرون قرابة 200 ألف وظيفة، ويخسرون مداخراتهم، إلى جانب خسارة قيمة رواتبهم بنحو 70 في المئة، قانون “قيصر” الذي فرضته الولايات المتحدة الأميركية على سوريا، بعدما بدا أن لبنان سيكون الجانب الأكثر تأثراً بسلبياته وتداعياته على مختلف القطاعات وأغلب المواطنين.

ففي حين يتوافر في سوريا إكتفاء ذاتي من السلع الأساسية، وخصوصاً الغذائية منها، كما أن سوريا لديها حلفاء يساندونها في أزمتها، والدولة السورية ما تزال قائمة وتقوم بواجباتها على نحو جيد، فإن لبنان يعاني من نقص فادح في سلعه الغذائية التي يستورد منها قرابة 80 % ممّا يستهلكه، وبات غير قادر على ذلك، ولا يوجد حلفاء فعليون له، وإدارات الدولة تعاني من اهتراء وترهّل، ما ينذر بصعوبة الأيّام المقبلة على لبنان.

هذه الأزمة الإقتصادية والمعيشية المتصاعدة فتح “كوة” أمل في جدارها وزير الخارجية السوري وليد المعلم قبل أيّام في مؤتمر صحافي، عندما أعلن أنّ “سوريا جاهزة للتعاون مع لبنان في مواجهة قانون قيصر، لكن هذا لا يتم برغبة سورية فقط، بل برغبة مشتركة”، وهي رغبة لم يبد الطرف اللبناني، الرسمي تحديداً، أي تعليق أو ردّ عليها، بل اكتفى بالصمت، مع أن الأردن، وهو طرف يشبه وضعه وضع لبنان، أعلن أن قانون قيصر “لن يؤثر في التبادل التجاري مع سوريا”؛ فماذا ينتظر لبنان، الذي معاناته أكبر من معاناة الأردن، للإقدام على هكذا خطوة؟.


مواضيع ذات صلة:

  1. إجراءات احتواء كورونا تتعثّر وتحذيرات من ″الأسوأ″ القادم… عبد الكافي الصمد

  2. إنهيار الليرة تأخّر سنتين.. والسّياسات الخاطئة تنذر بالأسوأ… عبد الكافي الصمد

  3. عالم ما بعد كورونا غير: ماذا عن لبنان؟… عبد الكافي الصمد


 

Post Author: SafirAlChamal