مشاهد الطوابير تحيي ذاكرة الحرب الأهلية… عبد الكافي الصمد

خلال الأيّام القليلة الماضية، شهدت محال الصيرفة في طرابلس وبقية المناطق اللبنانية، إزدحاماً غفيراً من المواطنين من أجل شراء الدولار الأميركي، بعد نضوب بيعه وصعوبة الحصول على العملة الخضراء إثر فقدانها من السوق، على خلفية الأزمة الإقتصادية والنقدية التي يعاني منها لبنان منذ أشهر.

سبب الإزدحام يعود إلى ضخّ مصرف لبنان العملة الأميركية في السوق، عبر الصيارفة تحديداً، من أجل تسهيل حصول المواطنين على الدولار الأميركي، 200 دولار لكل شخص كما حدد المصرف المركزي، وبالسعر الذي أعلنه وهو 3900 ليرة لبنانية، برغم أن سعره في السوق السوداء يتراوح بين 5100 و5200 ليرة لبنانية، وهو فارق دفع كثيرين لتحمّل ساعات الإنتظار الطويلة أملاً منهم في الحصول على عملة باتت نادرة في لبنان هذه الأيام، ولتحقيق ولو ربح بسيط نتيجة الفارق بين السعرين.

إصطفاف المواطنين طوابير أمام محال الصيرفة، كما اصطفافهم في الأيام الأخيرة أمام المصارف للحصول على قسط بسيط من ودائعهم، ومحطات الوقود لشراء مادة المازوت، وأحياناً أمام الأفران وفي محال السوبرماركت، أعاد إلى الأذهان مشاهد سيئة منطبعة في ذاكرة اللبنانيين من أيام الحرب الأهلية لا يحبّون أبداً أن يتذكروها، وهي إصطفافهم طوابير طويلة أمام الأفران ومحطات الوقود للحصول على ما يحتاجونه، أو على الحواجز التي وضعتها الميليشيات وقوى الأمر الواقع، وتحمّلهم في سبيل ذلك كل مشاهد الإذلال والإهانة وساعات الإنتظار الطويلة.

هذا التلاعب بالعملة الوطنية في السوق السوداء الذي يحصل على مرأى من الجهات الرسمية بلا أي تدخل منها، أو بلا أي نتيجة لهذا التدخل إذا ما حصل، أعاد التذكير بأزمة إنهيار الليرة اللبنانية في أواسط ثمانينات القرن الماضي، وتراجعها خلال قرابة أقل من عقد من الزمن من ليرتين لكل دولار أميركي إلى قرابة ثلاثة آلاف ليرة لكل دولار، كما أعاد التذكير بأساليب لجأ إليها البعض للتلاعب بالليرة اللبنانية وأعصاب المواطنين، منها الشائعة التي انتشرت حينها أن العملة المعدنية اللبنانية تساوي أضعاف ثمنها المعلن، ما أدى إلى موجة هستيرية للحصول على هذه العملة المعدنية بأي شكل من الأشكال.

على وقع إعادة إحياء ذاكرة مشاهد الحرب الأهلية في لبنان، بين عامي 1975 ـ 1990، تعيش المناطق اللبنانية أجواء مشابهة، وكأنّ أحداً لم يتعلم أو يريد أن يتعلم من مآسي الحرب التي ما تزال آثارها بادية وجروحها لم تلتئم بعد، والنتائج الكارثية التي ترتبت على جميع اللبنانيين الذين ما يزالون يدفعون حتى اليوم أثمانها الباهظة، معنوياً وماديا.

مقارنة مشهد ما يحصل اليوم في لبنان بما كان الوضع عليه عشية إندلاع الحرب الأهلية يبدو مشابهاً جداً. إنقسام سياسي وطائفي داخلي، صراعات إقليمية ودولية حادّة بأدوات محلية على الساحة اللبنانية، بوادر أزمات إقتصادية وإجتماعية خانقة، إلى أن حانت لحظة الصفر في 13 نيسان 1975 وانفجر الوضع أمنياً على نطاق واسع.

ما يبدو واضحاً للغاية أنّ كلّ مقدمات الحرب الأهلية باتت جاهزة، ولم يعد ينقص إلا إطلاق الرصاصة الأولى ورفع السواتر ونصب الحواجز بين المناطق والأحياء والشوارع. فهل يتعلم اللبنانيون مرارة الحرب ولوعتها في آخر لحظة وقبل فوات الأوان، أم لا يفعلون؟.


مواضيع ذات صلة:

  1. إجراءات احتواء كورونا تتعثّر وتحذيرات من ″الأسوأ″ القادم… عبد الكافي الصمد

  2. إنهيار الليرة تأخّر سنتين.. والسّياسات الخاطئة تنذر بالأسوأ… عبد الكافي الصمد

  3. عالم ما بعد كورونا غير: ماذا عن لبنان؟… عبد الكافي الصمد


 

Post Author: SafirAlChamal