لبنان والعقوبات الأميركية على سورية: إنقسامٌ وانتحارٌ ذاتي… عبد الكافي الصمد

منتصف ليل الثلاثاء ـ الأربعاء، 16 ـ 17 حزيران الجاري، دخل قانون “قيصر” الأميركي لمعاقبة سوريا حيّز التنفيذ، ما يعني أنّ مرحلة قاسية وشديدة من الحصار الأميركي والغربي على دمشق قد بدأت، وأن حلفاء سورية وداعميها باتوا معرّضين لعقوبات ينتظر أن يطالهم هذا القانون بشكل أو بآخر.

هذا القانون الذي فرضته واشنطن على الحكومة السورية بهدف إجبارها على تقديم تنازلات سياسية، كان محل نقاش واسع حول أسبابه وغاياته وتوقيته، ولماذا تفرضه الولايات المتحدة الأميركية اليوم على سوريا وليس قبل سنوات، وما هي النتائج المتوقعة منه، وكيف ستردّ سوريا وحلفائها عليه؟ وما هي تداعياته على لبنان بالذات؟

يدرك المراقبون أن العقوبات الأميركية على سوريا سيكون تأثيرها محدوداً، وبصيغة أخرى سيتم تفادي الكثير من تداعياته في سوريا بالذات؛ فحكومة دمشق التي رفضت الرضوخ عندما كانت تسيطر على أقل من 20 % من مساحة البلاد، في السنوات الأولى من الحرب عليها، لا تنتظر أن تفعل ذلك اليوم، بعدما استعادت أكثر من 70 بالمئة من أراضيها، كما استعادت أيضاً الكثير من مقومات قوتها وصمودها ودعم حلفائها لها.

هذه العقوبات ليست جديدة على سوريا، ففي ثمانينيات القرن الماضي عانت حكومة دمشق من عقوبات مماثلة، ومع ذلك رفضت الرضوخ للمطالب الأميركية والغربية، واستطاعت أن تمرر سنوات العقوبات وتخرج منها سالمة، ويتوقع ان تستطيع تكرار التجربة حالياً.

هذه التوقعات لم تأت من حكومة دمشق أو من قبل حلفائها، فهذا السفير الأميركي السابق في سوريا روبرت فورد، والذي كان آخر سفير أميركي في دمشق، إستبعد في مقال نشره “معهد الشرق الأوسط” في واشنطن، أن يؤدي قانون قيصر إلى “التأثير في نظام الرئيس السوري بشار الأسد”، حيث قال: “لن تذعن حكومة الأسد للمطالب الواردة في عقوبات قيصر، فما بالك بانهيارها؟”، مضيفاً: “النتائج المنتظرة من العقوبات هي عبارة عن أمنيات أكثر منها تحليلات مستندة إلى وقائع”.

غير أن ما يعني لبنان من كل ذلك هو كيفية تعامله مع العقوبات الأميركية التي فرضها قانون قيصر، خصوصاً أن التداخل بين البلدين إقتصادياً كبير جدّاً، والفصل بينهما كما تطلب الإدارة الأميركية، مضرّ بلبنان أكثر من سوريا، ومع ذلك فإن الحكومة اللبنانية ما تزال صامتة حتى الآن حيال كيفية تعاملها مع القانون المذكور، بينما يسود إنقسام حاد بين القوى السياسية اللبنانية تجاه كيفية التعاطي معه، إنطلاقاً من خلفية سياسية بالدرجة الأولى، وليس على أساس مصلحة لبنان.

إلا أنّ 3 نقاط تحديداً من شأن الإجابة عليها أن ترسم معالم طريق كيفية تعاطي لبنان مع سوريا في ضوء العقوبات الأميركية عليها، وهي:

أولاً: يستورد لبنان الكهرباء من سوريا لتغطية النقص الذي يعاني منه، لكنه اليوم بات مطالباً بالتوقف عن إستجرار الطاقة منها وعن التعاطي مع الحكومة السورية، ما سيجعل لبنان يعاني أكثر مستقبلاً في هذا المجال، لأنه ليس قادراً على تعويض النقص في المدى المنظور، فكيف سوف تتعاطى الحكومة اللبنانية مع هذا الأمر لتفادي العقوبات الأميركية عليها، وكيف سيتعاطى لبنان مع إقفال المعابر غير الشرعية والحدود مع سوريا إمتثالاً لقانون قيصر، وما هي الإجراءات التي ستتخذها حيال سلع ومنتجات قادمة من سورية لتغطية النقص في السوق اللبناني الذي تشير أغلب التوقعات أنها ستفقد فيه، فهل ستقفل الحكومة اللبنانية الحدود أيضاً بوجهها، أم ستفتحها؟.

ثانياً: من شأن إلتزام الحكومة اللبنانية بقانون قيصر أن يُجمّد أي حلّ لأزمة أكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري في لبنان، وأن يجعل هذه الأزمة تتفاقم، في حين أن لبنان يعاني الأمرّين من تداعيات هذا النزوح.

ثالثاً: تواجه سوريا عقوبات قانون قيصر الأميركي وهي تتمتع بحدّ مقبول من الصمود الداخلي الذاتي على الصعيد الإقتصادي، إضافة إلى دعم حلفائها لها، وعلى رأسهم روسيا وإيران والصين، إضافة إلى دول أخرى تفضّل العمل خلف الأضواء، بينما يجد لبنان نفسه وحيداً وسط هذه المعمعة، وبلا الحدّ الأدنى من مقومات الصمود الإقتصادي، وفي ظل سلطة سياسية ضعيفة ومنقسمة على نفسها، ومع ذلك وبدلاً من أن يقدم لبنان على التمسّك بحبل النجاة الوحيد له، وهو إبقاء منفذه الوحيد على العالم، وهو منفذه على سوريا، مفتوحاً، إذا به يقدم على إقفاله بما يشبه الإنتحار الذاتي.

في ضوء هكذا سياسة حكومية ومقاربة متبعة منها، فإنّ الأيّام المقبلة ستكون أشدّ قسوة على لبنان من سوريا.


مواضيع ذات صلة:

  1. إجراءات احتواء كورونا تتعثّر وتحذيرات من ″الأسوأ″ القادم… عبد الكافي الصمد

  2. إنهيار الليرة تأخّر سنتين.. والسّياسات الخاطئة تنذر بالأسوأ… عبد الكافي الصمد

  3. عالم ما بعد كورونا غير: ماذا عن لبنان؟… عبد الكافي الصمد


 

Post Author: SafirAlChamal