من يضع حدّاً لمخربي طرابلس ″بأَيْديْهم وأَيْدي المُؤمِنيْن″؟… عبد الكافي الصمد

أعطت الوقفة التي نفذها أمس عدد من أهالي مدينة طرابلس في ساحة عبد الحميد كرامي (ساحة النّور)، تحت شعار “طرابلس مدينة السلام”، رفضاً للفوضى وأعمال العنف والعبث التي شهدتها المدينة في الأيام الأخيرة، وتحديداً يوم السبت الماضي، إنطباعاً أن أغلبية من أهالي المدينة ترفض ما حصل فيها، ولا تقبل بأي شكل جرّها إلى مستنقع الفوضى والتوتر الأمني والإنفلات مرّة جديدة.

هذه الوقفة دلّت على أن الأغلبية الصامتة في طرابلس ليست راضية أبداً عن ما يجري فيها من تجاوزات أساءت إلى الحراك الشعبي الذي انطلق في 17 تشرين الأول الماضي، وأساءت في الوقت نفسه إلى المطالب المحقّة التي رفعها المحتجون وجعل عاصمة الشمال توصف بأنها أيقونة وعروس الثورة، نظراً للطابع السلمي والحضاري الذي رافق تحركاتها، قبل أن تنقلب الأمور رأساً على عقب، ويعمل مندسّون وأطراف عدّة على تشويه صورة المدينة، واستغلال الإحتجاجات الشعبية لمآربهم الشخصية والسّياسية الضيقة، ولو كان ذلك على حساب المدينة وحاضرها ومستقبلها.

وإذا كان المشاركون في الوقفة أمس يشكّلون عينة من الأكثرية الصامتة في المدينة وفي كل لبنان، الذين يرفضون كل مشاهد العنف والفوضى والعبث التي سادت معظم المناطق في الأيام الأخيرة، فإنهم في الوقت نفسه يبدون بلا أي تأثير فعلي على مجرى الأحداث، إذ ليس هناك حزب أو تيار سياسي يؤطّر تحرّكهم ليكون له ثقله وحضور سياسي يحسب له حساب، كما لا يشكّل المشاركون في الوقفة سوى حالة آنية وعابرة سرعان ما تتلاشى، من غير أن تترك أي أثر يذكر، في حين يكفي نزول بضع مئات من المأجورين والموتورين إلى شوارع المدينة ليشلّوها عن بكرة أبيها.

في ضوء هذه المقارنة يتبين أن الأقلية المتحكمة في الشارع لها تأثير أكبر وبكثير من تأثير الأكثرية المسالمة الجالسة في منازلها أو محالها أو مكاتبها أو في مقاهي المدينة، وهي معادلة ثبت وجودها خلال كلّ جولات الإشتباكات والتوتر الأمني الذي رافق الإحتجاجات، حيث بدت شوارع وأسواق طرابلس المختلفة وكأنها تعاني من حظر تجول، في ظل أزمات إقتصادية ومعيشية وإجتماعية خانقة جعلت أكثر من 60 في المئة من سكان المدينة يعيشون تحت خطر الفقر.

هذا التدهور المريع في أحوال طرابلس وأهلها والجوار يرتب مسؤولية جماعية على قياداتها وفاعلياتها، السياسية والإقتصادية والدينية والإجتماعية والثقافية وغيرهم، بهدف إيقاف مسلسل النزف والعبث والخراب الذي يهيمن على المدينة، ويجعل فئة قليلة موتورة من أبنائها أو من خارجها يخربون المدينة على نحو متعمد، سواء عن وعي أو عن غير وعي، وبأيديهم، ما يجعل الآية الثانية من سورة الحشر في القرآن الكريم تنطبق عليهم، والتي تقول: “يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فاعتبرُوا يا أُولي الأبصَار”، فهل هناك من يضع حداً لهؤلاء المخربين ويمنعهم من تخريب المدينة أكثر من ذلك، ويوقف هذا الإنهيار على كل الصعد قبل فوات الأوان؟..


مواضيع ذات صلة:

  1. إجراءات احتواء كورونا تتعثّر وتحذيرات من ″الأسوأ″ القادم… عبد الكافي الصمد

  2. إنهيار الليرة تأخّر سنتين.. والسّياسات الخاطئة تنذر بالأسوأ… عبد الكافي الصمد

  3. عالم ما بعد كورونا غير: ماذا عن لبنان؟… عبد الكافي الصمد


 

Post Author: SafirAlChamal