سيناريو 1992 يتكرّر: مدخلٌ للتأزيم وليس للحلّ… عبد الكافي الصمد

ماراتونياً وحافلاً كان يوم أمس وعلى أكثر من صعيد، سياسياً ومالياً وإقتصادياً ومعيشياً وشعبياً، بشكل لم يشهده لبنان منذ اندلاع شرارة الحراك الشعبي في 17 تشرين الأول من العام الماضي، ما طرح أسئلة كثيرة حول مصير هذه التطورات، وإلى أين ستصل، وكيف ستكون الصورة في اليوم التالي، وهل أن تداعيات ما سيحصل شبيهة بـ”ثورة” إحراق الدواليب التي جرى تدبيرها في 6 أيار عام 1992، والتي أسقطت حكومة الرئيس الراحل عمر كرامي عامها؟.

قد يبدو مشهد أمس، من حيث المقارنة في الشكل، شبيهاً بما حصل قبل أكثر من 28 عاماً؛ أزمة سياسية، وأزمة إقتصادية جعلت الدولار يرتفع ليصل إلى قرابة 3 آلاف ليرة لبنانية، ما أدى إلى ارتفاع جنوني للأسعار، وسط أجواء غضب عارم جعلت الشارع يشتعل بفعل فاعل إحتجاجاً على ما يحصل، ليتبين لاحقاً أن “ثورة” الدواليب “المفتعلة” لم تكن سوى المدخل ـ المخرج الذي أسقط حكومة كرامي، ومهّدت الارض لبداية “عصر” رفيق الحريري.

ما حصل أمس يكاد يكون صورة طبق الأصل عن ما حصل عام 1992، أزمة سياسية في غاية التعقيد، وأزمة إقتصادية جعلت الدولار يرتفع بشكل جنوني غير مسبوق ليلامس البارحة عتبة الـ7 آلاف ليرة، وسط ارتفاع نسب البطالة والجوع والفقر والتي جعلت المواطنين ينزلون للشارع غضباً، والتسبّب بأعمال عنف وفوضى، ما يفتح الباب أمام المجهول.

غير ان مشهد امس يختلف عن مشهد 6 ايار 1992 في ناحيتين رئيسيتين: الاولى ان اسقاط الحكومة ـ في حال كان الهدف من وراء انفلات الشارع ـ هو المقصود، فان احتمال ان ياتي منقذ على حصان ابيص لاخراج البلد من ازماته، كما حصل مع الحريري عامها، لا يبدو واردا، لان الظروف المحلية والاقليمية والدولية لا تسير على هذا النحو.

أما الناحية الثانية فهي أن دول الإقليم لا تعيش حالياً إستقراراً مشابهاً للإستقرار النسبي عام 1992، وتحديداً سورية التي “كُلفت” إدارة الملف اللبناني، فضلاً عن أنه لا يبدو أن هناك أي توافق حول “تكليف” أي جهة خارجية إدارة الملف اللبناني في المرحلة المقبلة، لا بل إن البلد قد تحوّل إلى ساحة للصراعات وتصفية الحسابات السياسية بين دول إقليمية ودولية، ما يجعل المخاوف ترتفع من أن يكون ما يحصل مقدمة لإدخال لبنان في أتون الفوضى، وليس وضعه على سكّة الحل.

ومع أن إنطباعاً واسعاً يسود مختلف الأوساط عن أنّ ما يحصل في لبنان الهدف منه الضغط على حزب الله والحكومة السورية، لأسباب منها سياسية ومنها إقتصادية، ومنها من أجل تشديد الضغط على الجهتين، ومن يدعمهما، لتسهيل إمرار مشاريع أميركية وإسرائيلية في المنطقة، منها على وجه التحديد تنفيذ صفقة القرن الأميركية الشهيرة وضم أراض من الضفة الغربية رسمياً إلى إسرائيل، والقيام بحملات “ترانسفير” لفلسطيني 1948 و1967 إلى الأردن، عدا عن توطين اللاجئين الفلسطينين حيث هم في الدول التي يعيشون فيها، ومنها لبنان، وأن الذي تشهده دول المنطقة من فوضى بفعل الضغوط التي تمارس عليها والتدخلات التي تحصل فيها، إنّما الهدف منها إثارة الغبار حولها لإمرار هذه المشاريع المشبوهة وغيرها.

هذه المشاريع المشبوهة لم تغب عن لبنان والمنطقة منذ أكثر من 100 عام، لكن المفارقة أنّها هذه المرّة تنفذ تحت شعار رئيسي هو القضاء على أي مقاومة قد تنشأ لمواجهة هذا السيناريو، وأن فراغاً كبيراً يسود المنطقة التي تبدو شبه مستسلمة، سياسياً وإقتصادياً وشعبيا، لمن يعبثون بها  وبمصيرها ومصير دولها وشعوبها كما يحلو لهم، وبما يتوافق أولاً وأخيراً مع مصالحهم.


مواضيع ذات صلة:

  1. إجراءات احتواء كورونا تتعثّر وتحذيرات من ″الأسوأ″ القادم… عبد الكافي الصمد

  2. إنهيار الليرة تأخّر سنتين.. والسّياسات الخاطئة تنذر بالأسوأ… عبد الكافي الصمد

  3. عالم ما بعد كورونا غير: ماذا عن لبنان؟… عبد الكافي الصمد


 

Post Author: SafirAlChamal