المستقبل والتيّار الوطني الحرّ: خطورة الإحساس بالهزيمة والشعور بالنصر… عبد الكافي الصمد

لا تكاد تقفل صفحة سجال وتراشق سياسي وإعلامي بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر حتى تفتح صفحة أخرى، في مشهد بات مألوفاً للغاية منذ تقديم الرئيس سعد الحريري إستقالة حكومته في 29 تشرين الأول من العام الماضي، بعد مرور 12 يوماً على اندلاع شرارة الحراك الشعبي في لبنان في وجه الحكومة وأركان السلطة.

خلال الأشهر السبعة ونيّف الماضية، شهدت العلاقة بين التيّارين الأزرق والبرتقالي تصعيداً غير مسبوق، تبادل خلالها الطرفان شتّى التهم في ملفات عدة؛ من السّياسة إلى الإقتصاد إلى غيرها من الملفات، وحتى الملفات الشخصية والتطاول على بعض الشخصيات هنا وهناك لم تغب عن حملات التراشق التي استعرت بينهما.

فالتسوية الرئاسية بين رئيسي التيارين، سعد الحريري وميشال عون، والتي أفضت في نهاية المطاف إلى انتخاب الأخير رئيساً للجمهورية في 31 تشرين الأول 2016، لم تفلح في تقارب الطرفين إلا شكلياً، بعدما تبين أن التسوية لا تستند إلى أسس متينة، وأنها كانت تسوية عابرة، سرعان ما سقطت معها كل المحرّمات، وأعادت نقاط التباين بين التيارين إلى الظهور على نحو أكثر حدّة.

آخر مظاهر هذا السجال والتراشق والتباعد بين التيارين ظهر يوم الخميس الماضي، بعدما سقط مشروع قانون العفو العام في مجلس النواب نتيجة عدم تفاهم التيارين عليه، وظهور نقاط تباين عديدة بينهما عليه، ما أدّى لاحقاً إلى اندلاع موجة إحتجاجات عمّت مختلف المناطق اللبنانية، وسط خطاب سياسي ينضح بالطائفية، ويعطي مؤشرا خطيراُ حول مآل الأمور وتطورها على هذا النحو.

رئيس التيّار البرتقالي الوزير جبران باسيل وبعدما عبر عن رفضه “مقايضة مرفوضة ولا تشبهنا: العفو عن إرهابيين ومجرمين مقابل عودة لبنانيين من إسرائيل”، ردّ عليه الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري بالقول: “الفرق بينا وبينك يا أفلاطون زمانك نحنا مش مع تهريب المجرمين والخونة بصفقات دولية. نحنا اشتغلنا على عفو عام قدام كل اللبنانيين لنرفع الظلم عن مواطنين لبنانيين قاعدين بالسجون بلا أحكام. وللمرة الألف كلمتك ما بتعني شي، لأنه ما في اتفاق إلا وطعنت فيه”، ما دفع نائبة رئيس التيار الوطني الحر مي خريش للرد على الحريري قائلة: “الفرق بيّنا وبيّنك يا «Mercantile» المستقبل نحنا ما فتحنا بيوتنا ملجأ للإرهابيين يلي اعتدوا على الجيش اللبناني. نحنا ما منفتش بالعفو عن المجرمين على شعبية مفقودة، نحنا كتير واضحين، ما منحكي خطابيْن، لا عنا وجيْن، ولا عنا لسانيْن، والأهم نحنا والوفا توأم”.

هذا السجال بين الجانبين الذي شهد تراشقاً بالإتهامات من العيار الثقيل، دلّ على أنّ التسوية الرئاسية لم تفلح في ردم الهوة بينهما، وأن إعادة العلاقة بينهما إلى سابق عهدها ليست ممكنة في المستقبل المنظور، بعدما اتسع الشرخ بينهما إلى حدود بعيدة، سواء على مستوى القيادة أو القاعدة، التي شهدت توتراً ملحوظاً كان الشارع ووسائل التواصل الإجتماعي مسرحين بارزين لها.

وإذا كان واضحاً أنّ الطرفين، الحريري وباسيل، يسعيان من خلال هذا التراشق إلى رفع شعبيتهما في بيئتهما، وهو ما أفلح به باسيل نسبياً مقارنة بتراجع واضح للحريري، فإن ذلك يعود إلى أنّ مناصري باسيل يصوّرون الأمر على إنه “إنتصار” لهم، وأنهم إستطاعوا إعادة حقوق المسيحيين، بينما لم يستطع الحريري تبرير مواقفه تجاه قاعدة شعبية تحمّله مسؤولية تسوية رئاسية أوصلت عون وفريقه السياسي إلى رئاسة الجمهورية، ثم يشكو منهم اليوم.

لكن الأخطر من كل ذلك هو أنّ شعور الإنتصار لدى فريق والإحساس بالهزيمة عند فريق آخر، في بلد تنخر الطائفية والمذهبية فيه حتى النخاع، قد يؤدي إلى شرخ وتصدّع في بنية النظام والمجتمع، وفي حصول صدام دفع اللبنانيون ثمنه غالياً في الحرب الأهلية، التي يبدو أن فريقاً واسعاً منهم لم يتعلم درسها جيداً.


مواضيع ذات صلة:

  1. إجراءات احتواء كورونا تتعثّر وتحذيرات من ″الأسوأ″ القادم… عبد الكافي الصمد

  2. إنهيار الليرة تأخّر سنتين.. والسّياسات الخاطئة تنذر بالأسوأ… عبد الكافي الصمد

  3. عالم ما بعد كورونا غير: ماذا عن لبنان؟… عبد الكافي الصمد


 

Post Author: SafirAlChamal