كتاب مفتوح إلى الرئيس سعد الحريري: أنهوا بدعة التمديد القصير والمتكرر لمفتي طرابلس، حفاظا على مقام الإفتاء وكرامة من يشغله

بقلم: الدكتور رأفت محمد رشيد الميقاتي

بسم الله الرحمن الرحيم

دولة الرئيس السيد سعد الحريري المحترم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد

شعورا بمسؤوليتكم الكبيرة أمام الله تعالى، وانطلاقا من موقعكم الوطني والسياسي، وعشية انتهاء ولاية سماحة مفتي طرابلس والشمال الممدة مرتين لفترتين وجيزتين، وقبيل اتخاذكم توجها معينا في مسألة التمديد الثالث، ثم تبني ذلك سياسيا ليصار إلى إقراره عمليا، بعد أن رعيتم التمديدين السابقين، وبكل تجرد وموضوعية وإنصاف، فإني أدلي بما يلي:

1 ـ  لقد أُنهكَ اللبنانيون بصورة عامة والمسلمون بصورة خاصة من الانقسامات والتدابر والتقاطع والتنافر والتحاسد والتكايد، مما يوجب علينا جميعا العمل على توحيد الصفوف وتصفية النفوس وتضافر الجهود للحفاظ على كياننا ومؤسساتنا وتمكين المؤسسة الدينية الأم من أداء دورها المنوط بها على أحسن وجه، وإخراجها من محنتها الطويلة، وصونها من التجاذبات السياسية المقيتة التي استنزفتها وحمّلتها ما لا يُحتمل.

2 ـ لقد ثبت من خلال التمديدين السابقين الوجيزين لسماحة مفتي طرابلس والشمال أن إثمهما أكبر من نفعهما، فلا التمديد كان شرعيا ولا قانونيا لعدم وجود مانع من إجراء الانتخاب خلفا لسماحته، ولا مشاهد الرفض للتمديد في الشارع كانت مقبولة ومستساغة، ولا سماحته شعر بالاستقرار ولا استطاع أن يتجاوز العلاقة المأزومة مع مقام إفتاء الجمهورية منذ سنوات، وكذا مع كثير من قيادات طرابلس، وهو ما انعكس على المشهد الوقفي والكثير من القضايا الاسلامية والوطنية وللأسف.

3 ـ ليس صحيحا أن عدم التمديد الثالث للمفتي الممدة ولايته مرتين  هو نكرانٌ لما قدمه المفتي خلال ولايته من التزامه بنهج سياسي معين، لكن الصحيح هو أن هذا التمديد الثالث إن حصل فإنما هو تكريس لتحويل المنصب الديني الرفيع في مدينة التاريخ والحضارة وعرين الإسلام الحنيف في لبنان إلى مجرد مكافأة على أداء سياسي معين وهو ما ننزّه المنصب عنه.

4 ـ ليس صحيحا أن التمديد المتكرر هو عمل بالمصلحة الاسلامية العليا، إنما الصحيح أن قرار اعتبار انتهاء الولاية الممدة للمرة الثانية في آخر أيار 2020 مبني على تفعيل تلك المصلحة الاسلامية العليا وتوسيد الأمر إلى أمين الفتوى ريثما تتم الدعوة لانتخاب مفت أصيل جديد، وهذا هو الواجب المبادرة إليه دون إبطاء، لعدم وجود مانع شرعي أو قانوني معتبر؛ أوَليس انتهاء الولاية ببلوغ السبعين هو ما تم إقراره في عهد والدكم الرئيس الشهيد رحمه الله بعد أن كانت الولاية ممتدة ما دام صاحبها على قيد الحياة؟!!

5 ـ ليس صحيحا أن رفض إجراء التمديد الثالث هو مساس بالطائفة والاستقرار وكرامة المنصب، إنما الصحيح أن التمديد المتكرر والوجيز والمتمادي نفسه هو خروج على النص القانوني الواضح وهو اجتهاد سياسي في مورد النص التشريعي الصريح، فضلا عن أن التمديد نفسه أفضى وللأسف إلى تهشيم كرامة المنصب ومن فيه، وهو ما حذّر منه المخلصون قبل وقوعه ودون أن يستجاب لهم وللأسف، وهو ما يحمّل كل مشارك فيه مسؤولية تاريخية لا تنسى.

6 ـ ليس صحيحا أن المجلس الشرعي الاسلامي الأعلى يجب تجاهله في قضية بهذا الحجم الاسلامي والوطني، إنما الصحيح أن التجاهل عينه لا يبقي مجلسا شرعيا إسلاميا ولا أعلى، أو يبقيه هيكلا لا روح فيه، فضلا عن اختزال إرادة من انتخب هذا المجلس.

7 ـ ليس صحيحا أن من يرفض التمديد الثالث غير الشرعي وغير القانوني هو معادٍ بالضرورة للرئيس الشهيد رفيق الحريري ولدولتكم، إنما الصحيح أن من يزعم ذلك أو يروّجه إنما يوسع الفجوة القائمة بين هذا البيت السياسي المعروف وبين كثير من المخلصين الرافضين لشرذمة هذه الطائفة المنكوبة والمستباحة، وعلى فرض كون المعارضين للتمديد معارضين لدولتكم سياسيا، فإن الواجب إنصافهم في هذه المسألة لأنهم على حق، عملا بقوله تعالى “ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون”.

8-  ليس صحيحا أن التمديد هو الأصل وأن الرفض هو الاستثناء، إنما الصحيح أن الانتخاب هو الأصل، وأن التمديد هو استثناء لا يتوسع به ولا يتكرر، فإنّ تكراره وبدون مبررات مقبولة شرعا وقانونا تجعل النصوص لاغية بقوة النفوذ السياسي لا بقوة الحق التشريعي، وهو ما يشكل سابقة تبنى عليها في المستقبل ممارسات غير مقبولة، وخاصة إذا ما تغير صاحب النفوذ يوما في زمن التغير السريع في موازين القوى محليا وإقليميًا ودوليا.

9-  ليس صحيحا أن التمديد الثالث هو الخيار الصائب في زمن حرب الإلغاء المفتوحة ضد الحريرية السياسية، إنما الصحيح أن على الحريرية السياسية وخاصة في هذا الزمن الصعب أن لا تقع في فخ المضي بإلغاء إرادات شريحة كبرى من المسلمين وخاصة ممن سبق لهم أن منحوا ثقتهم على مدى عقود لهذا البيت السياسي أملا منهم في النهوض بالبلد من كبوته، وتجنبا للوقوع في الفتنة، لكن المحذور منه قد وقع وللأسف.

بناء على ما سبق، فإننا ندعو دولتكم إلى أخذ هذه المنطلقات بعين الاعتبار، حفاظا على المصلحة العليا للمسلمين، وصونا لكرامة هذا المنصب الديني ومن فيه، في الحال والمآل، وتمكينا وتسهيلا لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لانتخاب مفتٍ جديد يجتمع عليه المسلمون في هذا الوقت العصيب، وتبرئة للذمة أمام الله تعالى، ودرءا لاستفحال الآثار السلبية المؤسفة جدا على هذا المقام الديني الرفيع في زمن الانهيار الشامل .

Post Author: SafirAlChamal