ما أبرز المشكلات الصحية التي قد يعاني منها المتعافون من كورونا؟

نشرت مجلة ساينس تقريرا يناقش التبعات الصحية المحتملة لفيروس كورونا، وما إذا كان المتعافون سيواجهون مشاكل صحية مزمنة في المستقبل أم لا، وما هي كيفية التعامل مع هذه المشكلات مستقبلا.

ويقول الكاتب إنه صحيح أن الأشهر القليلة المقبلة ستكون مليئة بالتحديثات حول انتشار فيروس كورونا المستجد، لكنها ستكون مليئة أيضًا بأنباء المرضى المتعافين.   فمرضى المستشفيات الذين يعانون من فيروس كورونا (كوفيد-19) بنسخته الشديدة، إذ يقضى بعضهم بالأسابيع على أجهزة التنفس الاصطناعي، سيبدؤون في استئناف حياتهم بشكل طبيعي.

ومن المرجح أن يتعامل الكثير منهم مع آثار الفيروس وآثار العلاجات الطارئة التي مكنتهم من الانتصار عليه.  وتقول لورين فيرانت، طبيبة الرئة والعناية الحرجة في كلية الطب بجامعة ييل “إن المشكلة التي ستواجهنا جميعًا في الأشهر المقبلة هي كيفية مساعدة الناس على التعافي”. 

فالعلاج بالمستشفيات الذي يستهدف بقاء المرضى في حالة وعي وحركة قدر الإمكان، ربما يحسّن من حالتهم الصحية على المدى الطويل.

غير أن العديد من أطباء العناية المركزة يقولون إن ضغط الوباء على المستشفيات والطبيعة المعدية للفيروس تجعلان من الصعب الالتزام ببعض هذه الممارسات.  ورغم أن كوفيد-19 يرسل حتى الشباب الأصحاء إلى وحدة العناية المركزة، يظل كبار السن هم الأكثر عرضة لخطر الإصابة بالأمراض الخطيرة والإعاقات الطويلة المدى، كما تقول شارون إنيوي، طبيبة أمراض الشيخوخة في كلية الطب بجامعة هارفارد. 

 وأضافت “لقد استغرق الأمر منا وقتًا طويلاً جدًا [لتطوير] بعض أفضل الممارسات لرعاية المسنين في المستشفى ووحدة العناية المركزة، لكنني أرى تلاشي كل ذلك المجهود خلال الأزمة الحالية”.  ويتسع اعتداء فيروس كورونا الفوري على الجسم على نحو واسع النطاق. فرغم استهدافه للرئتين، فإن نقص الأكسجين والالتهاب المنتشر يمكن أن يضر أيضًا بالكلى والكبد والقلب والدماغ والأعضاء الأخرى.   

ويشير التقرير إلى أنه ربما يكون من السابق لأوانه تحديد الإعاقات الدائمة التي سيواجهها الناجون من كوفيد-19، غير أن القرائن تأتي من الدراسات حول الالتهاب الرئوي الحاد، وهي عدوى تصيب الأكياس الهوائية في الرئتين، كما هو الحال بالنسبة إلى كوفيد-19. وربما تتطور العدوى في بعض الحالات إلى متلازمة الضائقة التنفسية الحادة، حيث تمتلئ هذه الأكياس بالسوائل. 

تقول فيرانت إن هذه الحالة تؤدي في بعض الأحيان إلى ندوب يمكن أن تسبب مشاكل في التنفس على المدى الطويل، لكن الدراسات تظهر أن معظم مرضى متلازمة الضائقة التنفسية الحادة يستعيدون وظائف الرئة في نهاية المطاف.  وبعد الإصابة الشديدة بالالتهاب الرئوي، يبدو أن مزيجًا من الأمراض المزمنة والالتهاب لفترات طويلة يزيد من خطر الإصابة بأمراض مستقبلية منها: النوبات القلبية والسكتة الدماغية وأمراض الكلى، بحسب الدكتور ساشين يندي، أخصائي الوبائيات وطبيب الرعاية الحرجة في جامعة بيتسبرغ. 

 إذ وجد فريق الدكتور يندي في عام 2015 أن الناس الذين دخلوا المستشفى لتلقي العلاج بسبب إصاباتهم بالالتهاب الرئوي معرضون لخطر الإصابة بأمراض القلب بحوالي أربعة أضعاف مخاطر إصابة من يماثلون أعمارهم، وذلك خلال العام التالي لإخراجهم من المستشفى، ومعرضون للإصابة بتلك الأمراض بحوالي مرة ونصف أكثر من أقرانهم في التسع السنوات التالية. ويقول الدكتور يندي “ربما يتسبب كوفيد-19 في زيادة كبيرة لهذه الاحتمالات”. 

والمرضى الذين يقضون وقتًا في وحدة العناية المركزة، بغض النظر عن المرض الذي يضعهم هناك، معرضون أيضًا لمجموعة من مشكلات الصحة الجسدية والمعرفية والعقلية بعد مغادرتهم تعرف بمتلازمة ما بعد الرعاية المركزة.   يقول الدكتور دايل نيدهام، طبيب الرعاية الحرجة في كلية الطب بجامعة جونز هوبكنز، إن فيروس كورونا المستجد ربما يعرض الناجين من وحدة العناية المركزة لخطر التعرض لبعض هذه المشكلات. 

 وأحد أسباب ذلك هو الإصابة الشديدة المحتملة للرئة بشكل استثنائي، مما يؤدي بالعديد من المرضى إلى قضاء فترات طويلة على جهاز التنفس الصناعي تحت التخدير العميق.  يقول الدكتور نيدهام إن المريض الذي يعاني من متلازمة الضائقة التنفسية الحادة الناجمة عن أمراض أخرى ربما يعتمد على جهاز التنفس لمدة تتراوح من 7 إلى 10 أيام، لكن بعض مرضى فيروس كورونا يحتاجون إليه لأكثر من أسبوعين.   

ولا يتعافى العديد من مرضى كوفيد-19 الذين يحتاجون إلى جهاز التنفس. ورغم اختلاف معدلات البقاء على قيد الحياة عبر الدراسات والبلدان، فقد وجد تقرير صادر عن المركز الوطني للمراجعة وأبحاث العناية المركزة بلندن أن 67٪ من مرضى كوفيد-19 المسجلين في إنجلترا وويلز وأيرلندا الشمالية الذين تلقوا “دعمًا تنفسيًا متقدمًا” لم ينجوا من المرض.   

ووجدت دراسة أجريت على مجموعة صغيرة من المرضى في الصين أن 14 في المئة منهم فقط نجوا بعد استخدام جهاز التنفس الصناعي.  والناجون بعد فترة طويلة على جهاز التنفس الصناعي معرضون للإصابة بضمور العضلات وضعفها. وربما يؤدي إبقاء المريض الذي يعاني من مرض خطير رافعا ذراعيه ورجليه، ومساعدته في النهاية على الجلوس والوقوف والمشي، إلى تقليل هذا الضعف وإبعاده عن جهاز التنفس الصناعي بشكل أسرع.   

ولكن نظرًا إلى أن فيروس كورونا المستجد معد للغاية، فإن إدخال المتخصصين في إعادة التأهيل إلى غرف المرضى ربما يمثل تحديًا، كما يقول الدكتور نيدهام.  في وحدة العناية المركزة التي يعمل بها الدكتور نيدهام بجامعة جونز هوبكنز، يرتدي هؤلاء المتخصصون معدات واقية لمساعدة الناس الذين على أجهزة التنفس على البقاء في حالة حركة. لكن الدكتور فيرانت تقول إن العديد المستشفيات الكبرى، بما في ذلك المستشفى الذي يعمل به، تفتقر  إلى هذه المعدات مما يؤدي إلى إبعاد المعالجين الفيزيائيين عن مرضى كوفيد-19. 

 وتقول إنه حتى عندما يكون المرضى في حالة جيدة بما يكفي لمغادرة وحدة العناية المركزة أو المستشفى، فإن الكثير منهم يبقون حاملين بالفيروس، وربما يضطرون إلى الانتظار حتى لا يصيبوا غيرهم بالعدوى، مما يؤدي إلى تأخير حصولهم على الرعاية المنزلية أو زيارة أحد مراكز إعادة التأهيل.  والخطر الآخر على مرضى المستشفيات هو الإصابة بالهذيان – وهو حالة من التفكير المشوش التي يمكن أن تؤدي إلى ضعف إدراكي طويل الأمد مثل عجز الذاكرة. 

يقول إي ويزلي إلي، أخصائي أمراض الرئة وطبيب العناية الحرجة في جامعة فاندربيلت “وجدنا أن مرضى كوفيد-19 ربما يعانون من الهذيان في كثير من الأحيان”. وأضاف أن الفيروس نفسه هو المسؤول بشكل جزئي عن ذلك، مثله مثل الفيروسات التاجية الأخرى المسببة لمتلازمة الجهاز التنفسي الحادة (سارس) ومتلازمة الجهاز التنفسي الشرق أوسطية (ميرس). 

ومما يزيد الأمور سوءًا أن الأطباء عادةً ما يصفون الأدوية المهدئة لقمع السعال العنيف ومساعدة المرضى على تحمل الشعور بالضيق وعدم الراحة بسبب  استخدام أنبوب التنفس. لكن هذه الأدوية ربما تزيد من خطر الهذيان، كما يقول الدكتور إيلي. 

إن ضعف احتمالات البقاء على قيد الحياة وإمكانية حدوث مضاعفات طويلة الأجل بالنسبة للمرضى الأكبر سنًا تجبر العائلات والأطباء على الخوض في مناقشات صعبة. تقول الدكتور إينوي: “كنت أستاء في البداية عندما أسمع عن إعادة النظر في استخدام أجهزة التنفس بالنسبة إلى كبار السن”.

ولكن عندما تفشى كوفيد-19 في مؤسسة الرعاية التي توجد بها والدتها البالغة من العمر 91 عامًا، خططت هي وشقيقتها لإخبار موظفي المستشفى أنه إذا مرضت والدتهما، فإنها لا تريد أن تبقى على جهاز التنفس إذا كان أمل التعافي طفيفاً. 

 وعن ذلك تقول الدكتور إينوي “بسبب اتخاذ القرار بشأن حالة أمي، وبسبب إدراك مدى ندرة أجهزة التنفس، أعتقد أننا يجب أن نفكر في كل حالة على حدة، وعلينا أن نأخذ رغبة المريض وعائلته بالاعتبار”. 

وبينما تعاني المستشفيات خلال الطفرة الحالية في عدد حالات الإصابة، يحاول الباحثون أيضًا التطلع إلى المستقبل. يقوم فريق الدكتور إيلي باختبار برنامج لإعادة التأهيل يعتمد على الجهاز اللوحي للذين يعانون من ضعف في الإدراك بعد دخولهم المستشفى بسبب مرض خطير.   

وكذلك يعمل فريق الدكتور يندي على تجريب نهج جديد لرعاية مرضى الالتهاب الرئوي وخمج الدم الناتجين عن مرض كوفيد-19، الذي يشمل رصدهم باستخدام أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية وزيارتهم في المنزل أو معالجتهم من بُعد بهدف منع إعادتهم إلى المستشفى. 

ويستعد مختصون آخرون لمعالجة مشاكل الصحة النفسية المحتملة، مثل القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة بسبب الأمراض الشديدة. فقد وجدت دراسة أجريت على عدد من مرضى سارس بالمستشفيات أن أكثر من ثلثهم كان لديهم أعراض (من معتدلة إلى شديدة) للاكتئاب والقلق بعد عام واحد من خروجهم. 

 الدكتور تيري هوغ، طبيبة الرعاية للحالات الرئوية الحرجة في جامعة واشنطن بولاية سياتل تقوم هي ومعاونوها باختبار لتطبيق جوّال يعزز اليقظة الذهنية ومهارات التأقلم لدى الأشخاص الذين يغادرون المستشفى. 

تقول هوغ “ربما تفضي حالة الطوارئ العالمية إلى نظام دعم أقوى للناجين من الأمراض الخطرة، وربما يوفر موقفنا الموحد تجاه فيروس كورونا المستجد أملًا لم يكن موجودًا من قبل”.

المصدر: الجزيرة

Post Author: SafirAlChamal