سقطت التركيبة

بقلم: المهندس يحيى مولود

سقطت التسوية الرئاسية، وذهب الرئيس الحريري في المحصلة، وما زالت ″التركيبة″ قائمة بعكس إرادة الشعب المنتفض في مواجهة سلطة الفساد والنهب القابضة على مقدرات البلد منذ 30 عاماً.

‏أثبتت المرحلة الأخيرة كم نحن بحاجة لإعادة النظر في ″الصيغة اللبنانية″ القائمة والتي كرّست ″ميثاقيات″ وعقد اجتماعي هش ‏نتج عنه مشاكل في البنية التكوينية للمجتمع اللبناني، فانكسر ميزان العدل المكسور أساساً بظل سلطة قضائية مصادرة القرار، واضمحلت الطبقة الوسطى التي وحدها، هي الكفيلة بصون العدالة الاجتماعية والاستقرار العام في ظل نظام اقتصادي مسخ يكرس سيطرة رأس المال والفساد والمحاصصة!

‏سقطت التسويات والذرائع الميثاقية التي تمترسوا وراءها لسنين خلت لإيصال من يريدون إلى سدة الرئاسات الثلاث بحجة “الأقوى في طائفته”. ‏وعليه، صار لزاماً الخروج عن المألوف في الأدبيات السياسية التقليدية والتي يتم تردادها ببغائياً على مسامع اللبنانيين عن طريق أبواق السلطة الإعلامية، نحو ‏تقويض الخطاب الطائفي المسيطر والمقزز الذي دمر مفهوم الدستور والقانون لصالح “الصيغة”.

‏بعد الانسحاب السوري، لم يعد هناك مايسترو واضح للتوازنات المحلية (المرتهنة إقليمياً ودولياً)، ‏وبانت هشاشة “الصيغة الفريدة” التي ظهر أنها غير قادرة على الاستمرارية وإيجاد الحلول في إدارة شؤون الناس، وبتنا أسرى كذبة “الديمقراطية التوافقية” القائمة على محاصصة زعماء الطوائف وتأبيد الزبائنية كنهج حكم.

‏إذاً، صار واضحاً الخلل الكبير في النظام السياسي، وعلى الغيارى على قيام الدولة الحديثة التحرك خارج الإطار المرسوم من قبل نفس اللاعبين، ‏وتغيير شروط اللعبة القائمة، من خلال الذهاب إلى إسقاط النظام الطائفي كاملاً ووضع أسس الدولة المدنية الراعية والقادرة، ‏والضغط في كل الساحات من أجل إعادة الشرعية للناس عن طريق انتخابات نيابية مبكرة تضمن حسن سيرها إجراءات مراقبة صارمة ونوعية تشرف عليها هيئة مؤلفة من ممثلين عن الهيئات المختصة في المجتمع المدني والقضاة النزيهين، لإعادة تكوين السلطة على الأسس الجديدة التي حركت الشعور الوطني العام.

‏سقط رئيس الجمهورية بفخ التسويات، و‏سقط رئيس مجلس النواب بفعل الزمن، وسقط رئيس الحكومة بفضل الكسل… سقطوا جميعاً بلعبة الاستقواء! سقط مفهوم الأقوياء..

‏وصارت المهمة مهمة الواعين والقادرين على إنتاج خطاب بديل، تقدمي، ينادي ببناء الدولة العصرية التي تنقذنا من الأزمة الحالية. وتتلخص هذه المهمة عملياً في إنشاء جبهة إنقاذ تتوحد فيها أطراف المعارضة الحقيقية للسلطة والنظام، لبلورة برنامج بديل تطرحه على الشعب اللبناني كبرنامج انتخابي بهدف الوصول إلى القبة البرلمانية وتقديم نموذج نوعي في كيفية المراقبة والمساءلة والمحاسبة وإقرار القوانين التي تخدم قضايا الناس!

‏سقطت التسوية الرئاسية، وسقط معها الحلف البرلماني العريض (علينا ألا ننسى أن الحكومة ‏الأخيرة – وكان شعارها “إلى العمل” – قد حازت على ١١١ صوت ثقة!)، وسقطت التحالفات الهجينة لأطراف المافيا الحاكمة… لذلك يجب إعادة تكوين الموالاة والمعارضة على أساس البرامج والسياسات العامة التي تغير المفهوم السائد في طريقة الانتخاب والحكم.

‏علينا كمتضررين من غياب مفهوم الدولة أن نحرص على وأد الفتنة التي تهددنا بها المافيا الحاكمة كلما اهتزت الأرض تحت عرشها وألا ننجر في قطع طرق الحوار الوطني مع المعارضين في كل قضية ومجال، وذلك استناداً للوعي الكبير الذي أثبته الشعب اللبناني في ساحات النضال المشترك!

أيها الشعب الثائر، أيها الطليعيون، أكثر من أي زمان، هذا زمانكم!.

Post Author: SafirAlChamal