طرابلس: إستعادة الدور والحضور قبل استعادة رئاسة إتحاد البلديات… عبد الكافي الصمد

لم تهدأ طرابلس منذ يوم الثلاثاء الماضي، بسبب خسارتها منصب رئيس إتحاد بلديات الفيحاء الذي كان من نصيب بلدية طرابلس منذ تأسيس الإتحاد في 25 أيار عام 1982، إذ عمّتها أجواء الغضب، ونظمت فيها إعتصامات وتحرّكات في الشارع، وواكبتها مواقف سياسية دعت إلى “تصحيح” الخلل والعودة عن  “الخطأ”، مع التشديد على إعادة “الحق” إلى أصحابه.

لم يهضم الطرابلسيون أن يؤول منصب رئيس الإتحاد إلى رئيس بلدية الميناء عبد القادر علم الدين، إثر انسحاب رئيس بلدية طرابلس رياض يمق من الجلسة التي عقدت بإشراف محافظ الشمال رمزي نهرا في سرايا طرابلس، إعتراضاً على ترشّح علم الدين للمنصب، بعدما اعتبر يمق أن ترشّحه يعدّ كسراً للعرف الذي ساد الإتحاد منذ ولادته، وهو أمر لا يمكن لطرابلس أن تقبله، وهي البلدية الأكبر بين بلديات الإتحاد الأخرى، الميناء والبداوي والقلمون، وتسهم بنحو 80 في المئة من موازنة الإتحاد سنوياً، فضلاً عن أن أغلب مراكز ومنشآت وآليات الإتحاد تعود ملكيتها إلى بلدية طرابلس.

لكن خسارة طرابلس منصب رئاسة إتحاد بلديات الفيحاء ليس الأمر الوحيد الذي خسرته في السنوات الأخيرة، فالمدينة تراجع دورها على كلّ الصعد منذ قرابة ثلاثة عقود، سياسياً وإقتصادياً وتربوياً وإجتماعياً وثقافياً، وما خسارة عاصمة الشمال رئاسة إتحاد بلديات الفيحاء سوى حلقة من حلقات مسلسل تراجعها الطويل، وخسارتها الكثير من الإمتيازات والمواقع التي كانت تتبوأها عن جدارة واستحقاق.

الخسارة السياسية بدأت عندما سلمت المدينة قيادتها ومرجعيتها السياسية إلى خارجها، فأصبح القرار يهبط عليها بالباراشوت، بعدما كان قرارها طوال عهدها نابعاً من قرارها الذاتي وبعدما كانت تنافس العاصمة بيروت على الرئاسة الثالثة وزعامة الطائفة السنّية، وكانت شريكاً وطنياً لبقية الأطراف السّياسية الأخرى والتي عملت على محاربتها والامعان في إهمالها، فأصبح وجود موظفين في الفئة الأولى عملة نادرة، بعدما كانت طرابلس تحظى بتمثيل كبير في إدارات الدولة، نظراً للكفاءات البشرية التي تمتلكها وما تزال.

والخسارة الإقتصادية تمثلت في نشوء أسواق بديلة في المناطق الشمالية المجاورة، ما أمّن لها إكتفاءً ذاتياً بنسبة كبيرة، جعلها تستغني بشكل أو بآخر عن أسواق المدينة ومؤسساتها التجارية التي تملك خبرات وتاريخاً وجذوراً راسخة في هذا المجال، ما ألحق ضرراً كبيراً بالموقع الإقتصادي والتجاري لطرابلس التي أصيبت بركود واسع على كل الصعد.

والخسارة التربوية كانت واحدة من أكبر النكسات التي أصيبت بها المدينة، والتي تمثلت في خروج المؤسسات التربوية الخاصة والرائدة من المدينة تدريجياً، لتقيم في جوار طرابلس على بعد كيلومترات قليلة، بعدما كانت هذه المؤسسات، من جامعات ومعاهد ومدارس، تعكس وجهاً حضارياً عن مدينة حملت بجدارة لقب “مدينة العلم والعلماء”، وبعدما كانت المدينة تستقطب طلاباً وأساتذة وموظفين من مختلف المناطق والطوائف والمذاهب وتوفر فرص عمل لأبنائها، وقبل ذلك وبعده كانت المدينة تعد ملتقى للمواطنين على اختلاف إنتماءاتهم، وهي ميزات خسرتها طرابلس على فترات، وباتت إستعادتها صعبة جداً.

وإذا جرى تعداد خسائر طرابلس في السنوات الأخيرة لا يمكن إسقاط أنها تحوّلت خارجاً عن إرادتها إلى “صندوق بريد” لتبادل الرسائل التفجيرية وجولات الإشتباكات التي ألحقت بها على كل المستويات أضراراً جمّة، وصولاً إلى تحوّل المدينة منذ أكثر من شهر ونصف إلى أيقونة ثورة 17 تشرين الأول وعروسها، فإذا بها بعد رفعها الصوت عالياً لإسقاط النظام والطبقة السياسية كلها، تقزّمت لتطالب بإسقاط رئيس إتحاد بلديات!

جردة حساب خسائر طرابلس كبيرة جدّاً، وتعويض هذه الخسائر لا يكون باستعادة منصب بلدي، برغم أنه مهم، بل باستعادة الدور والحضور على مستوى الشمال والوطن كله، تمهيداً لاستعادة الخسائر كلها، أو ما أمكن منها.


فيديوهات قد تعجبك:

  1. بالفيديو والصور: الامطار تحاصر المواطنين على أوتوستراد الدامور

  2. بالفيديو والصور: محتجون يقفلون المؤسسات الرسمية في طرابلس

  3. بالفيديو: طفلة ترفض المستشفيات استقبالها.. وهذا ما حصل

  4. بالفيديو: الجراح اللبناني محمد بيضون يمكّن مشلولاً من المشي


لمشاهدة فيديوهات اخرى اضغط هنا.


لمتابعة اهم واحدث الاخبار في لبنان والعالم اضغط هنا.


مواضيع ذات صلة:

  1. إرباك في الشارع والسوق المالية: تراجع الدولار إنفراجٌ أم فخّ؟… عبد الكافي الصمد

  2. الحراك الشّعبي مطالبٌ بمراجعة نقدية قبل فوات الأوان… عبد الكافي الصمد

  3. ملاحظات على مسيرة الحراك الشّعبي.. قبل فوات الأوان… عبد الكافي الصمد


 

Post Author: SafirAlChamal