بلغ السيل الزبى… بقلم: غسان حلواني

في بلد مثل لبنان، عانى ما عاناه من اضطرابات اقتصادية، من مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وصولاً الى يومنا هذا، مع ما مرّ بينهما من فترات كنّا نحسبها استقراراً اقتصادياً، وهي في حقيقتها كانت أقرب ما تكون الى فترة هدوء بين عاصفتين.

ورغم كل هذا الضغط الاقتصادي على مر السنوات والذي تولد بحكم الحروب والمعارك المتكررة في البلد، وبحكم الهدر وسوء الادارة في ترشيد الانفاق، وبحكم الفساد والسمسرات والصفقات المشبوهة في المرحلة الاخيرة، صمد الاقتصاد اللبناني في وجه اعتى الرياح واقوى العواصف، او على الاقل هكذا تخيلنا..

ان تغلق مؤسسة صغيرة ابوابها في ظروف اقتصادية استثنائية قاهرة كالتي نعيش يُعتبر امراً وارداً، وان تستغني بعض الشركات المتوسطة عن بعض موظفيها والعاملين لديها في ظروف مماثلة امر يمكن التعايش معه، وان كنّا لا نحبذه، وان تقوم شركات كبيرة بعمليات الدمج فيما بينها بهدف الاستمرار على حساب بعض الموظفين، هو امر وارد عملياً وموجود ظاهر للعيان في عصر العولمة.

وهذه امور غالباً ما تظهر تداعياتها على المديين المتوسط والبعيد، على جسد المنظومة الاقتصادية.. اي منظومة اقتصادية في اي بلد.

امّا ان يُصيب التعثّر والقصور قلب محرّك الدورة الاقتصادية الاساسي في طرابلس، فهو نذير شؤم من المستقبل وخطر محدق في الحاضر.

ماذا يعني ان تقوم مؤسسة كغرفة التجارة في طرابلس والشمال ببدء الاستغناء عن بعض موظفيها، وفي ظل نجاح استثنائي لادارة استثنائية، هذا يعني وببساطة انه بلغ السيل الزبى، وان ثقل حركة القطاع الاقتصادي منذ مطلع 2017 قد بلغ او يوشك – مرحلة الموت السريري – الذي دخلها مع مطلع عام 2019، وان كل انجازات رئيس الغرفة وفريق عمله المتجانس رغم حنكته واجراءاته المالية والادارية الاستثنائية قد وصلت الى طريق مسدود بفعل الواقع الاقتصادي العام في البلاد.

لا احد يستطيع ان ينكر ان غرفة طرابلس، استطاعت ان تُحقق برغم موازنتها المالية السنوية المتواضعة، انجازات ضخمة، وقد حجزت لنفسها مقعداً على طاولة الهيئات الاقتصادية اللبنانية والعربية، واصبحت مرجعاً اقتصادياً لدى كل البعثات الدبلوماسية، ورجال الاعمال الذين يفتشون عن الاستثمار في شمال لبنان، ولا ننسى انها قدمت نموذجاً فريداً ومتقدماً عبر الاستفادة من نقاط ضعف طرابلس الكبرى، وتحويلها الى نقاط قوة وجذب من خلال طرح طرابلس الكبرى كعاصمة لبنان الاقتصادية، لتتحول بذلك الى رافعة لاقتصاد الوطن.. كل الوطن. ولأول مرة قدمت طرابلس نفسها كشريك استراتيجي مستعد ان يعطي لا ان يأخذ، في كافة المحافل الرسمية في لبنان والاقتصادية العربية والدولية.

لقد حضنت هذه الغرفة العديد من المبادرات الشابة والاعمال الناشئة تحت جناحيها، رغم تراجع دخلها المحدود اصلاً والذي يتمثل حصراً باشتراكات اعضاء الهيئة العامة السنوية وبعض الخدمات البيروقراطية التي تقدمها لهؤلاء الاعضاء، فليس لغرفة التجارة في طرابلس والشمال اي مصدر مالي سوى هذه الاشتراكات والخدمات، وقد تدنى عديد اعضاء الهيئة العامة وتراجع الانتساب اليها مع مطلع العام 2019 الى ثلث ما كان عليه قبل عامين.

ماذا يعني ان تستغني الغرفة اليوم عن بعض موظفيها، مع الاحتفاظ لهم بكامل حقوقهم لدى الدائرة القانونية بهدف الحفاظ على استمراريتها؟ هذا يعني ان امّ المؤسسات الاقتصادية شمالاً قد قارب ضرعها على الجفاف فما بالكم بغيرها من المؤسسات!!.

Post Author: SafirAlChamal