طرابلس والحراك الشّعبي: ربحٌ بالمفرّق وخسائر بالجملة… عبد الكافي الصمد

إثنان وثلاثون يوماً مرّوا على اندلاع شرارة الحراك الشعبي في 17 تشرين الأول الماضي، سلطت فيه الأضواء الإعلامية على مدينة طرابلس بصورة لافتة، إذ بعدما كانت الصورة عن عاصمة الشمال سلبية ونمطية، لجهة أنها متشددة ومنغلقة وتشبه مدينة قندهار الباكستانية بهذا المجال، فجأة إكتشف كثير من الإعلاميين واللبنانيين أن هذه المدينة مفعمة بالحب والحياة ومنفتحة على الآخرين، وترحب وتفتح ذراعيها أمام كل من يأتي إليها، وأنها برغم كل مظاهر الفقر والبطالة والحرمان التي ترزح تحتها، فإنها مدينة لم تعرف اليأس يوماً، وتتطلع دوماً إلى غد افضل.

اليوم باتت طرابلس في نظر اللبنانيين “أيقونة” و”عروس” الثورة، وبات معظم الذين نزلوا إلى الشوارع والساحات في لبنان، محتجّين على سياسة الحكومة والطبقة الحاكمة، يتوقون من أجل المجيء إلى طرابلس للمشاركة في فعالياتها، والوقوف جنباً إلى جنب مع أبناء المدينة، الذين أكدوا على الصورة السلمية والحضارية لحراكهم الإحتجاجي.

لكن مقابل هذا الربح الصافي، إعلامياً ومعنوياً، فإن طرابلس خسرت بالمقابل الكثير خلال هذا الشهر من عمر الحراك، وهي خسارة مرشحة للإزدياد في الأيام المقبلة إذا لم يسارع المعنيون إلى تدارك الأمور قبل تفاقمها أكثر.

أهم هذه الخسائر كان تربوياً، فأغلب جامعات ومدارس الشمال الرسمية والخاصة ما تزال أبوابها مغلقة، وبالتالي فإن مصير العام الدراسي لهؤلاء الطلاب أصبح قاتماً، عكس الطلاب في مناطق لبنانية أخرى لم تقفل الجامعات والمدارس فيها أبوابها إلا أياماً معدودة، ما يعني اتساع الفارق سلبياً في المستوى العلمي بين طلاب طرابلس والآخرين.

وأبرز دليل على ذلك أن أكثر من 260 ألف طالب في محافظتي الشمال وعكار لم يلتحقوا بالمقاعد الدراسية منذ بدء الحراك، من بينهم نحو 20 ألف طالب عليهم أن يتقدموا إلى شهادة الثانوية العامة في نهاية العام الدراسي، وبالتالي فإن تأخير إفتتاح المدارس أكثر سيؤدي إلى عدم قدرة هؤلاء الطلاب على اجتياز إمتحانات الشهادات الرسمية بنفس كفاءة ذويهم في المحافظات الأخرى، إضافة إلى أن انتقال الآلاف من الطلاب الى صفوف لاحقة، مع نقص في الكفايات، سينتج عنه خلل في المهارات سوف تمتد آثاره لأعوام مقبلة.

يضاف إلى ذلك الشلل شبه الكامل الذي تعاني منه الأسواق التجارية في طرابلس، على اختلافها، التي اضطرت إلى إغلاق أبوابها، برغم ما ينتج عن ذلك من تكبّدها خسائر كبيرة، بسبب توقف التصدير والإستيراد وكساد السلع الزراعية والصناعية، ترافقت مع توقفها عن دفع الرواتب للموظفين والعاملين لديها، مع ما يعني ذلك من أزمات معيشية خانقة باتت عائلات بأكملها ترزح تحتها بلا أي معين، وما أدى إلى إفلاسات بالجملة والمفرّق، وارتفاع مقلق في نسب البطالة والفقر إلى مستويات قياسية ومخيفة، خصوصاً أن آلاف المواطنين ممن يعملون يوماً بيوم، لم يعودوا قادرين على تأمين قوت عيالهم.

Post Author: SafirAlChamal