لبنان.. إلى أين؟

خاص ـ سفير الشمال

كلما أخذت بالقلم، أخذتني الأفكار شرقاً وغرباً.. من أين أبدأ، وإلى أين المسير؟ ذلك أن ما يجري على الساحة اللبنانية ليس له سابقة، لا في لبنان، ولا في المنطقة العربية: حشود سلمية متواصلة يوماً بعد يوم، وفي كل المناطق، لا يشوبها شعار طائفي أو مذهبي، أو حزبي أو مناطقي، لا يجمعها معاً سوى شعاراتٍ وطنية، ترتفع في الساحات، وعلى أبواب المصارف، وأمام مؤسسات وإدارات الدولة، ومدارسها وجامعاتها، بكل ألوانها وأطيافها، تمتاز بصدقها وعفويتها، وبإيمانها القاطع بضرورة التغيير السريع، والسريع جداً، لأن بقاء الحال بات من المحال. جماهير مليونية، لا تجمعها قيادة موحدة، بل هتافات ثورية، ومطالب عادلة، وتنسيق بحده الأدنى. آمنوا بوطنهم وطناً نهائياً لجميع أبنائه، كما ينص الدستور، صوتهم يصل إلى كل مكان، عبر وسائل الإعلام التي فتحت بثها للجميع، وعبر وسائل التواصل الإجتماعي الميسّرة للجميع، والتي لها أثر كبير في النفوس في أيامنا هذه.

جماهير تحتشد في الساحات وعلى الطرقات، من كل الأعمار، يشكون همومهم أمام وسائل الإعلام بكلمات بسيطة، ونزاهة واضحة، لا يستطيع التنكر لها إلا جاحد. يناشدون المسؤولين، كلهم أجمعين، أنكم على مدى ثلاثين عاماً، ومن بعد حرب 15 عاماً، وحتى يومنا هذا، لم تحققوا من وعودكم شيئاً، بدءاً من أبسط الخدمات المعيشية كالكهرباء الموعودة 24/24 ، مروراً بمعالجة النفايات، وصولاً إلى مزاريب الهدر والفساد، وما أكثرها. والأنكى من ذلك كله، والأشد مراراة، أن الجميع من مسؤولين في السلطة، ووسائل إعلام، وأحزاب وطوائف، يُجمعون على أحقية ذلك، ولا يتقدمون في علاجه قيد أنملة. وأركان السلطة يلقون تارة بالحجج الباهتة، وتارة بالإتهامات المتبادلة، وطوراً بالتهرب من المسؤولية المباشرة، وطوراً آخر بعدم الإجابة مباشرة على التساؤلات المشروعة من الناس، أو من وسائل الإعلام، أو في الحلقات السياسية والحوارية وما أكثرها.

أما المجتمع المغلوب على أمره، والذي يعاني الكثير من هذه الأمراض والأوبئة التي تراكمت خلال 30 عاماً، فهو يقف مشدوهاً أمام ما يجري، تارة يغلبه قوت يومه، الذي لا يحصل عليه حالياً، فيستنكر على المتظاهرين ما يجري. وتارة تغلبه فرصة عمل لا يكاد يراها لابنه أو ابنته، التي صرف عليها كلّ ما في وسعه، حتى تتخرج بشهادة جامعية، فيشجع المتظاهرين، وطوراً يحتار أي الطرق المفتوحة للوصول إلى المستشفى أو المطار، وطوراً آخر يعيقه إجراء معاملة مصرفية مشروعة لا بدّ له منها…. وأخيراّ وليس آخراّ إقتصادٌ يتهاوى أمام أعين الجميع…

هل ما يجري هو ثورة حقيقية، أو انتفاضة جماهيرية، أو تظاهرة وطنية، أم حراك مدني ؟ تسميات كثيرة، كل يسوّقها حسب هواه. ولكن المهم إلى أين المسير؟ وفي هذا السؤال أسئلة تفصيلية أخرى: هل تستطيع الإنتفاضة أن تحافظ على تماسكها ووحدتها؟ وهل تبقى شعاراتها وطنية جامعة؟ وهل يستطيع أركان السلطة التخلي عن محاصصاتهم وخلافاتهم وقراءاتهم للواقع ؟ وهل يستطيعون أن يجتمعوا ويحققوا تغييراً جذرياً وسريعاً في أدائهم في إطار دستوري جامع؟ ….

أسئلة كثيرة لا يملك أحد أجوبة أكيدة عليها. ولكن الأكيد أن لا عودة إلى الوراء إطلاقاً، أما المستقبل فهو غامض جداّ، وفيه عوامل داخلية، وأخرى خارجية، إقليمية ودولية، لا يستهان بها، وتجب قراءتها جيداً، وهل يمكن النأي بالنفس عنها وإلى أي مدى؟ حتى تحقق الإنتفاضة مبتغاها وأهدافها التي يتوافق الجميع على أحقيتها

Post Author: SafirAlChamal