أعلام غير لبنانية ترتفع: غياب الولاء أم تعبيراً عن الإنقسام؟… عبد الكافي الصمد

لم يكن مفاجئاً رفع شبّان في البداوي، يوم أمس، أعلاماً تركية على جانبي الأوتوستراد الدولي الذي يمرّ وسطها، إذ لطاما شهدت البداوي وأحياء عديدة من طرابلس ولبنان رفع أعلام تركية وصوراً للرئيس التركي رجب طيب إردوغان، تعبيراً عن تأييد ودعم جانب لا يستهان به من اللبنانيين للدولة التركية ورئيسها.

تعاطف وتأييد بعض اللبنانيين لتركيا ليس وليد اليوم، ذلك أن تركيا العثمانية منذ أن غادرت لبنان والمنطقة قبل نحو 100 عام، إثر خسارتها في الحرب العالمية الأولى، بعد حكم لها إمتد  لفترة زمنية قاربت 400 عام، فإن روابط إجتماعية ودينية وإقتصادية وسياسية وغيرها بقيت قائمة بين شريحة واسعة من اللبنانيين وبين تركيا، وهي روابط توثقت أكثر مع وصول حزب العدالة والتنمية ورئيسه إردوغان إلى الحكم في تركيا منذ عام 2002 وحتى اليوم.

تطوّر العلاقات بين قسم لا يستهان به من اللبنانيين وتركيا، لم يترجم فقط في ارتفاع أعداد السيّاح اللبنانيين الذين يزورون تركيا سنوياً، ولا في ازدياد حجم التبادل التجاري بين البلدين، ولا في ذهاب آلاف الطلاب اللبنانيين للدراسة في الجامعات التركية، أو غيرها من المظاهر، إنما ترجم سياسياً من خلال رفع أعلام تركيا وصور إردوغان في مناسبات عدة، كالإنتخابات التركية مثلاً، وصولاً مؤخراً إلى تأييد دخول الجيش التركي إلى شمال سوريا، وتحديداً إلى مناطق شرق نهر الفرات، لمحاربة أحزاب كردية مناوئة لتركيا، ما يترجم إزدياد الحضور التركي في مناطق لبنانية عدّة.

لكن رفع لبنانيين أعلاماً لدول أخرى وصوراً لرؤساء هذه الدول، عربية كانت أم صديقة أم أجنبية، ليس جديداً في بلاد الأرز، لأسباب عدة، فهذا البلد الذي رفع قسم كبير من شعبه شعار “كل من أخذ أمي صار عمّي”، لطالما فعل ذلك منذ الإستقلال حتى اليوم.

فالأعلام المصرية وصور الرئيس جمال عبد الناصر إرتفعت في أغلب المناطق اللبنانية، وما تزال صور الزعيم المصري معلقة داخل بيوت كثير من اللبنانيين حتى اليوم، وكذلك الأعلام السورية وصور الرئيسين الراحل حافظ الأسد والحالي بشار الأسد، والأعلام العراقية وصور الرئيس الراحل صدام حسين، وصور الرئيس الليبي معمر القذافي مع علم بلاده، والأعلام السعودية وصور الملوك أولياء العهد الذين تعاقبوا على الحكم في المملكة، والأعلام القطرية مرفقة بصور أمير البلاد فيها.

غير أن هذه الظاهرة اللبنانية لم تقتصر على الدول العربية فقط، ذلك أن الأعلام الإيرانية وصور القادة الإيرانيين مرتفعة في مناطق لبنانية معينة، قبل أن تقتحم الأعلام التركية وصور إردوغان مناطق لبنانية مماثلة، من دون نسيان أعلام وصور دول أجنبية ورؤسائها مثل فرنسا والولايات المتحدة الأميركية تحديداً، وصولاً إلى أن البعض رفع أعلاماً للعدو الإسرائيلي في بعض المناطق اللبنانية التي كانت خاضعة للإحتلال الإسرائيلي قبل اندحاره عام 2000.

رفع أعلام دول أخرى مع صور رؤسائها لا يماثل رفع اللبنانيين أعلاماً لدول معينة خلال مباريات كأس العالم لكرة القدم، تعبيراً منهم عن تشجيع هذا المنتخب الكروي أو ذاك، إنما يعكس إنقساماً عمودياً بين اللبنانيين، وشرخاً سياسياً وطائفياً ومذهبياً عميقا، ويترجم بقوة تضارب المصالح والعلاقات، وهو أرخى بثقله على الداخل اللبناني وما يزال، لأن إنقسامه على نفسه يجعله غير قادر على التمييز بين هذه الدولة وتلك.

في بقية دول العالم ذات السيادة وذات الإنتماء الوطني المتجذر الذي لا يعلو فوقه أي انتماء، فان رفع مواطن ما علماً غير علم تلك الدولة، فإنه يعاقب عليه بالحبس والغرامة؛ كما أن رفع لبنانيين أعلاماً لدول أخرى مع صور رؤسائها، هل قابله رفع شعوب تلك الدول أعلاماً لبنانية وصوراً لرؤساء لبنان وزعمائه؟

لعل الإجابة على هذا السؤال مضحكة ومبكية في آن معاً.


لمتابعة اهم واحدث الاخبار في لبنان والعالم اضغط هنا.


فيديو: 

  1. بالفيديو: غضبوا من رئيس البلدية فربطوه بسيارة وسحلوه

  2. بالفيديو: فقط في لبنان.. عمود كهرباء يتأرجح

  3. بالفيديو: سامي الجميل يُغنّي ويعزف على البيانو

  4. بالفيديو: محاكاة.. ضرب كفرفالوس بالكيماوي


لمشاهدة فيديوهات اخرى اضغط هنا.


مواضيع ذات صلة:

  1. دعم العملة الوطنية بين لبنان والخارج: مقارنة مؤلمة… عبد الكافي الصمد

  2. التفّاح اللبناني في يومه: فولكلور بلا خطّة… عبد الكافي الصمد

  3. أول غيث الإعتراض الشعبي على النّفايات: رميها وسط الطرقات… عبد الكافي الصمد


 

Post Author: SafirAlChamal