الشعب يريد دولة عادلة… غسان ريفي

لا يمكن تسويق شعار ″الشعب يريد إسقاط النظام″ في لبنان، وإن كان بعض المحتجين في التحركات الغاضبة يرددونه في بعض الاحيان، فذلك من باب التشبه بعدد من البلدان التي لا تشبه أنظمتها النظام اللبناني القائم على توزان دقيق سياسي وطائفي لا تنفع معه ثورة أو إنقلاب، ولا عصيان مدني، وإنما مجرد ″فورات″ غضب تكون عبارة عن رسائل بأن هذا الشعب يريد العيش بكرامة.

لا يختلف إثنان على أن الشعب اللبناني، بكل فئاته وطبقاته وطوائفه ومذاهبه بدأ يخرج عن طوره، فالبلد يسير إنحدارا نحو الانهيار الشامل وأركان السلطة ينشغلون بتلبية الدعوات الخارجية وبالواجبات الاجتماعية، والتي تكلف الخزينة اللبنانية ملايين الدولارات.

ما شهدته شوارع بيروت وبعض المناطق، كان رسالة واضحة وجهتها شريحة من الشعب اللبناني أرادت من خلالها التعبير عن رفضها للواقع، وعن الوجع والمآسي والمعاناة والفقر والبطالة، وأكدت حاجتها لدولة ترعى شؤون مواطنيها وتؤمن لهم العيش بكرامة، فلا يُذل لبناني على باب مستشفى للحصول على معالجة، ولا على باب مدرسة أو جامعة لدفع الأقساط، ولا على أبواب السفارات للحصول على تأشيرة هجرة، ولا تُنتهك كرامة عجوز لا يجد الرعاية في شيخوخته بينما ضمان الشيخوخة ما يزال أسير الأدراج منذ سنوات، ولا يخرج طفل من مدرسته لعدم قدرة أهله على تعليمه، وسط تخبط واضح في تطبيق قانون التعليم الالزامي المجاني.

بالأمس، تحدث المحتجون باسم كل اللبنانيين بدون إستثناء بأن طفح الكيل ولا يمكن لهذا الوضع أن يستمر.. طفح الكيل من دولة تقول ما لا تفعل، وتعلن عكس ما تضمر، وتغطي فشلها بالتحريض الطائفي والمذهبي..

طفح الكيل من دولة أهدرت 30 مليار دولار على الكهرباء من دون أن يتم إصلاح أو إنهاء أزمات هذا القطاع حيث ما يزال اللبنانيون يواجهون تقنينا قاسيا ويدفعون فاتورتين إحداهما لمافيات الاشتراكات.

طفح الكيل من دولة لا تملك حلولا لأي أزمة يواجهها شعبها، فالدولار الأميركي في بلد يتغنى بعض سياسييه بأنه سيد حر موحد مستقل بسعرين الأول رسمي والثاني “أسود” وذلك من دون أن يحرك المعنيون ساكنا، والنفايات تجتاح المناطق ولا معالجات في الأفق، وزحمة السير تأسر اللبنانيين لساعات طويلة في سياراتهم يوميا، والتلوث يجتاح المناطق حتى غدت معدلات “السرطان” هي الأعلى في هذا البلد الصغير مقارنة مع أشقائه العرب.

طفح الكيل من دولة لا ترى سوى جيوب الفقراء مصدرا لتمويل خزينتها، بينما تبقى محاربة الفساد والهدر والسرقات والسمسرات مجرد شعارات غير قابلة للتطبيق، فيما الانهيار المالي والاقتصادي يحيط بلبنان من كل حدب وصوب ولا معالجات حقيقية.

طفح الكيل من دولة تضرب مؤسساتها بنفسها، فتُضعف القضاء وتُسيّسه، وتكبل المؤسسات الرقابية، وتمنع الوظيفة عن مواطنين لبنانيين ناجحين في مجلس الخدمة المدنية بحجة عدم وجود التوازن الطائفي، وتمعن في ضرب الكفاءات والابداعات لمصلحة المحسوبيات والزبائنية.

كل ذلك، صدحت به حناجر المحتجين الذين عبروا بصدق عن أوجاعهم، لكنهم وكالعادة أخفقوا في إبقاء تحركاتهم سلمية، فإنضم إليهم كثير من الغوغائيين المدسوسين من “الطوابير المختلفة” فواجهوا القوى الأمنية التي يجب إعادة النظر بسلوكها في هكذا إحتجاجات خصوصا مع سقوط جريح في حال الخطر بسبب الضرب المتكرر على رأسه بالهراوات، وقطعوا الطرقات بالاطارات المشتعلة، وحبسوا المواطنين في سياراتهم على الطرقات، وحطموا بعض الممتلكات، وهو السيناريو الذي بات معتمدا عند أي تحرك جدي، لوأد أي إحتجاج يمكن أن يقض مضاجع السلطة.

ليس لدى شعب لبنان أي نية لإسقاط النظام أو القيام بانقلاب، بل هو يطالب فقط بدولة حقيقية عادلة ترعى مصالحه، وتؤمن له أبسط مقومات العيش، أما إذا إستمرت الدولة في غيابها وإعتماد سياسة إدارة الظهر لمطالب وحاجات وتطلعات المواطنين، فإنها ستسقط لوحدها، وعندها ليت ساعة مندم..


فيديو:

  1. بالفيديو: آخر ظهور للحارس الشخصي للملك سلمان قبل مقتله

  2. بالفيديو: تدافع بين القوى الامنية والمتظاهرين امام السراي الحكومي

  3. بالفيديو: مشهد مستفز في لبنان.. سيارة تجر كلبا بحبل

  4. بالفيديو: وائل كفوري ينشر لأوّل مرّة مشاهد من منزله الخيالي


لمشاهدة فيديوهات اخرى اضغط.


مواضيع ذات صلة:

  1. بلد من دون دولة… غسان ريفي

  2. طرابلس تنتظر وعود ″النائب التاسع″… غسان ريفي

  3. ميقاتي في المنية.. فرح الانتماء من دون إنتخابات… غسان ريفي


 

Post Author: SafirAlChamal