لبنانيون يسعون للهجرة هرباً من بلدهم.. والدولة تتفرج… عبد الكافي الصمد

لم يكن مشهداً عادياً ولا مألوفاً ولا مسبوقاً في لبنان، ذاك الذي حدث يوم أول من أمس أمام السفارة الكندية الكائنة في منطقة جل الديب، عندما تجمع عشرات الشبان عند أبواب السفارة مطالبين بالهجرة إلى كندا، وتسهيل تلك الهجرة أمامهم، وذلك في إطار حملة يقودها شبان رفعوا لها شعاراً هو: “بدنا نفل من لبنان”.

وإذا كان عادياً مشهد إزدحام السفارات الأجنبية في لبنان بلنانيين يرغبون بالهجرة إليها، منذ أيام الحرب الأهلية 1975 ـ 1990 وحتى اليوم، فإن تجمهر عدد كبير من المواطنين اللبنانيين واعتصامهم أمام أبواب السفارات الغربية على النحو الذي حصل أول من أمس، عكست أجواء يأس شديد يعاني منه هؤلاء الشباب، وانسداد أفق المستقبل أمامهم، ما دفعهم لطرق أبواب السفارات من أجل الهجرة من بلدهم بأي طريقة.

فعندما تصل الأمور إلى حدّ اعتصام أكثر من 150 شاباً لبنانياً، وفق التقديرات، أمام أبواب السفارة الكندية، ومحاولة بعضهم تسلق أسوار السفارة المحيطة بها من أجل الدخول إليها، من دون القيام بأعمال شغب، إنما بهدف الحصول على تأشيرة تسمح لهم بالهجرة إلى كندا، فذلك يعني أن هؤلاء فقدوا الأمل ببلدهم، وأنهم مستعدون للقيام بأي شيء في سبيل الهروب منه باتجاه دول أخرى.

غير أن الخبر لم يكن هنا، إذ تبين أن أغلب الشبان الذين تجمّعوا أمام أبواب السفارة الكندية في جل الديب قد قدموا من طرابلس، بعدما تجمعوا في ساحة عبد الحميد كرامي (ساحة النور) في المدينة، ومنها رفعوا شعارات وردّدوا هتافات طالبوا فيها الحكومة اللبنانية أن تسهل لهم أمر الهجرة إلى الخارج، قبل أن ينطلقوا في 7 باصات كبيرة وعدد من الفانات الصغيرة، للمشاركة في الإعتصام أمام السفارة الكندية.

هذا التطوّر الخطير إن دلّ على شيء، فإنما يدلّ على أن اللبنانيين لم يعد لديهم إيمان ببلدهم، وهم ليسوا مقتنعين أن أمامهم أي مستقبل فيه، والمؤسف أن الطرابلسيين ـ من بين اللبنانيين ـ هم أكثر الفئات اللبنانية التي تعاني على هذا الصعيد؛ فعندما يعيش أكثر من 65 % من سكان المدينة تحت خطر الفقر، وأن عاصمة الشمال تعد أفقر مدينة في حوض البحر الأبيض المتوسط وفق إحصاءات الأمم المتحدة، فإن الهجرة في هذه الحالة تصبح الأمل الوحيد أمام الشباب من أجل تحقيق الحد الأدنى من تطلعاتهم وأحلامهم.

دوافع الهجرة من لبنان كثيرة، لكنها في السنوات الأخيرة باتت الأمل الوحيد أمام غالبية الشعب، وتحديداً الشباب الذين يأملون عدم دفن آمالهم باكراً، في بلد أصبح الفساد فيه نمط عيش، والمحسوبيات هي السائدة، والعصبيات الطائفية والمذهبية هي المسيطرة والتي على أساسها تبنى العلاقات العامة والخاصة على السواء، وبعدما لم يعد للكفاءة مكان فيه، ولا للعيش بكرامة أو إمكانية تأمين الحدّ الأدنى من مستلزمات العيش فيه، بعيداً عن مشاهد الفقر والذلّ والجوع والجهل والفوضى والتسيّب التي تحكم البلد من أقصاه إلى أقصاه.

مشهد الشبان أمام السفارة الكندية لو حدث في بلد آخر لكان دافعاً لحكومة ذلك البلد من أجل الإستنفار بهدف الحؤول دون تكراره، عدا عن معالجة أسبابه، وهي في لبنان كثيرة ومعروفة، لكن هكذا مشهد مرّ في لبنان مرور الكرام، إذ لم تكلف الدولة نفسها، بكل وزاراتها وأجهزتها، عناء المسارعة إلى احتضان هؤلاء الشباب ومساعدتهم، لكنها لم تفعل، والأرجح أنها لن تفعل مستقبلاً، لأن هكذا دولة بقيت تتفرج منذ نشأتها قبل نحو 100 سنة على نزيف هجرة الشباب والأدمغة منها، من غير أن يرفّ لها جفن، لن تغيّر عادتها اليوم.


مواضيع ذات صلة:

  1. إحتجاجات المنية تكشف واقعاً جديداً: تيار المستقبل لم يعد اللاعب الوحيد… عبد الكافي الصمد

  2. هل تقر الحكومة اليوم محرقة دير عمار، وكيف سيكون الردّ؟… عبد الكافي الصمد

  3. بعد ″سقوط″ الفوّار وتربل.. هل يكون حلّ مشكلة نفايات الشّمال في ديرنبوح؟… عبد الكافي الصمد


 

Post Author: SafirAlChamal