جان عبيد.. المقاوم الهادئ في البيئة كما في السياسة… غسان ريفي

ضرب النائب جان عبيد بيد من حديد مغلفة بـ″قفاز من المخمل″، رفضا لمطمر النفايات في تربل،  فكان لموقفه الكلمة الفصل التي أعادت تجميد العمل بهذا المشروع الخطير، خصوصا أن شاحنات النفايات لم تجد منفذا لها الى الجبل بعد القرار الجريء الذي إتخذه عبيد مع بلدية علما بقطع الطريق أمامها، وعدم السماح بأن تكون البلدة ممرا لما يمكن أن يلحق الضرر بالناس.

لم يكن سهلا على جان عبيد إتخاذ قرار من هذا النوع، فهو إبن علما، ودارته تُشرف على جبل تربل، وهو الصديق والحليف لكثير من المتحمسين لانشاء المطمر والرافضين له في آن معا، ما يعني أن رفضه للمطمر من المفترض أن يزعج الحلفاء الذين بدأ بعض أنصارهم حملة هجومية ضده، وأن قبوله به وغض النظر والصمت عنه سيظهره متواطئا مع السلطة ضد أهله، وسيؤدي الى إلحاق الضرر بهم، خصوصا أن المطمر لا يمت الى السلامة البيئية بصلة، وسيتحول من مؤقت الى دائم ومن مطمر الى مكب عشوائي على غرار ما كان حاصلا في مكب عدوي، وهو أمر لا يمكن أن يقبل به جان عبيد المؤتمن على بيئة وسلامة هذه المنطقة إمتدادا الى المنية وطرابلس وسائر المناطق، تماما كالقيادات السياسية التي تسعى الى رفع الضرر المتمثل بالنفايات عن مناطقها التي تعتبر نفسها مؤتمنة عليها بيئيا وصحيا.

من هذا المنطلق، فقد كان قرار جان عبيد منسجما مع أهله وناسه ومع تطلعاتهم الى بيئة نظيفة ومنطقة سياحية وحركة سياسية في منطقتهم، كما جاء قراره متناغما أيضا مع موقف كتلته النيابية (الوسط المستقل) التي أكدت بصراحة متناهية بأنها مع الناس وأنها تقبل ما يقبلون به وترفض ما يرفضونه، وهو بهدوئه المعتاد وسعيه الدائم الى تدوير الزوايا وحل القضايا العالقة بالحوار، إكتفى بداية بالاشارة الى خطورة الأمر، لافتا الى بيته البعيد عن المطمر الذي يهدد في الوقت نفسه بتلوث المياه الجوفية.

لكن يبدو أن الهدوء الذي تعاطى به عبيد وهو المعني الأول في هذه القضية كونه إبن المنطقة المستهدفة والحريص دائما على عدم استفزاز الخصوم ولا إثارة حفيظة الحلفاء، لم تُفهم أبعاده، فاستمرت عمليه إجتياح جبل تربل، وبإدارة الظهر لكل الاعتراضات، ولكل المخاطر التي تحدث عنها الخبراء البيئيون الذين اكدوا ان الأضرار ستكون كبيرة جدا لعدم وجود اية دراسات عن الأثر البيئي الذي سيكون سلبيا، ما إضطر عبيد في النهاية الى إتخاذ الموقف الذي يتناسب حصرا مع تطلعات الناس وسلامتها بعيدا عن أية مصلحة سياسية هنا أو مكاسب أخرى هناك، لتجتمع معه كل الارادات الطيبة التي نجحت في وضع حدا لهذا الاجتياح ووقف التلوث البيئي الذي كان يهدد منطقة من أجمل وأبهى المناطق الشمالية.

ليست مشكلة الأقضية الاربعة التي ما تزال تعاني من تجمع النفايات في شوارعها اليوم مع النائب جان عبيد ولا مع سائر المعترضين، ولا يمكن لبعض الموتورين الذين تم إستخدامهم للاساءة إليه ببعض التغريدات أن يحرفوا الأنظار عن الأزمة الحقيقية المتعلقة بوزارة البيئة التي لم تتخذ حتى الآن قرارا صائبا حيال معالجة النفايات أو التخلص منها، وما تزال تتعاطى بخفة وإرتجال مع بيئة بعض المناطق الشمالية طارحة تحويلها الى مكبات لأقضية أخرى من دون توفير أي من شروط السلامة البيئية والصحية.

كما أن المشكلة تكمن في التخبط والارباكات والانفصامات التي تتعاطى  بها التيارات السياسية، من التناقض في موقفي سعد الحريري وأحمد الحريري، الى عدم التناغم في مواقف سليمان فرنجية وجهاد الصمد من جهة، والنائب فيصل كرامي وقوى 8 آذار في المنية من جهة ثانية، وأيضا في مواقف وزير البيئة نفسه الذي رفع الصوت سياسيا وطائفيا، متناسيا أن المطمر يحتاج الى كثير من الأمور العلمية والفنية والتقنية غير المتواجدة في تربل..

لا يختلف إثنان على أن جان عبيد هو مدرسة في السياسة وفي الحوار وفي الأدب، لكنه أثبت اليوم أنه مدرسة في المقاومة الهادئة لكل ما يمكن أن يضر أهله من تربل الى علما الى المنية والضنية وطرابلس وسائر المناطق اللبنانية، أما محاولات التشوية والافتراء فسترتد حتما على مطلقيها ولن تنال ممن كرس حياته لخدمة لبنان واللبنانيين.


مواضيع ذات صلة:

  1. مصير المجلس الاسلامي العلوي على المحك.. بانتظار قرار المجلس الدستوري… غسان ريفي

  2. أزمة مطمر تربل.. هي عدم الثقة بالدولة!… غسان ريفي

  3. مكاري مرعوب من الشحن الطائفي.. وهذه نصائحه الى عون والحريري ونصرالله… غسان ريفي


 

Post Author: SafirAlChamal