التعديات أزهقت روح الطفلة ريهام.. فهل من ينقذ القموعة من الفوضى القاتلة؟… نجلة حمود

سلطّت الحادثة المفجعة التي أصابت عائلة الأمين بخسارة طفلتهم ريهام ( 12عاما) أثناء قيام العائلة بنزهة الى منطقة القموعة، الضوء مجدداً، على التعديات المنظمة التي تجري أمام أعين القوى الأمنية، وتعيث خرابا ودمارا في أجمل غابات منطقة حوض البحر المتوسط.

هي منطقة القموعة التي تتربع فوق القرى العكارية، وتتدرج في الارتفاع من 1500 حتى 1700 مترا عند السهل الفريد من نوعه في حوض المتوسط لجهة ارتفاعه، وكونه مزنراً بمجموعة من التلال والهضاب التي تلفه بشكل شبه دائري، وتغطيه الثلوج شتاءً، بينما يتحول إلى بحيرة طبيعية في الربيع.

السهل الذي تحول الى مرتعا للفوضى، فكانت النتيجة مأساوية للغاية، حيث لقيت ريهام حتفها وهي تحاول تمضية أوقات مسلية وسعادة ظنت أنها من حق الطفولة، وتحولت النزهة العائلية الى مأتم مهيب علت فيه الصيحات المدوية للواقع المؤلم.

ما دفع برئيس البلدية الشيخ سميح عبدالحي الذي إستلم رئاسة المجلس البلدي منذ شهرين الى تقديم إستقالته الى محافظ عكار عماد لبكي، حيث لم تفلح الوساطات في حثه على العودة عنها، بل أكد لـ ″سفير الشمال″ أنه مصمم على الاستقالة وان لا رجوع عنها.

منذ سنوات والأصوات ترتفع للمطالبة بوضع حد للتعديات المتمادية على غابة القموعة، بيوت إسمنتية تشيد سرا (آخرها قبل الانتخابات النيابية الأخيرة)، قطع للأشجار النادرة والمعمرة، عبور الشاحنات المحملة بالاتربة والمهربة من منطقة بيت جعفر، إنشاء أكشاك بالجملة في السهل الواسع، دراجات نارية مخالفة، ودراجات رباعية الدفع من دون اي ترخيص..

كل تلك التعديات حولت المنطقة التي تضم أكثر من أربعين نوعاً من الأشجار الحرجية وعدداً كبيراً من أشجار الأرز التي يصل عمر بعضها إلى نحو ألفي سنة، إضافة إلى أشجار الشوح والعرعر النادرة التي يصل ارتفاعها الى نحو ثلاثين متراً ويبلغ قطر بعضها ستة أمتار، وغابة العذر التي تضم نحو أربعة آلاف شجرة سنديان من فصيلة ″آرون أواك″ الكثيفة والعملاقة، فضلا عن غنى المنطقة بالثروة الحيوانية، والآثار التي تعود إلى العهود الفينيقية والكلدانية والرومانية والبيزنطية والعربية.

الى مرتعا للمخالفات من دون أي رادع، فكانت النتيجة حوادث يومية وخلافات بين شبان فنيدق والبلدات المجاورة، حوادث صدم، إصابات جراء سقوط الزائرين عن الدراجات رباعية الدفع. وكل ذلك يجري أمام القوى الأمنية التي استحدث مركزا لها في المنطقة، إضافة الى وجود مركز للجيش اللبناني. عجز رئيس البلدية الشيخ سميح عبد الحي عن تغيير الواقع القائم، ويشرح كيف عمد الى إزالة المخالفات من السهل، ففوجئ بهم يشيدون المخالفات على الطريق العام أمام أعين القوى الأمنية، التي يتهمها عبد الحي ″بأنها على ما يبدو متخصصة فقط بأعمال البناء ومراقبة البحص والرمل، لأن التراب أهم من أرواح الأطفال″.

مشددا على ″أن ما يجري غير مقبول، وما يهمنا هو المصلحة العامة، لكن الواقع الحالي مأساوي، وهناك بطالة وفوضى وجو من الفساد، وعدم تطبيق القوانين وعدم احترام شرطة البلدية، لذلك أنا مصر على الاستقالة ولن أتراجع عنها، إذ لا قيمة لختم بلديتي، فوجدت أنه من الأشرف أن أستقيل من مهامي لأن الواقع صعب، ولا يمكنني تقبل الفاجعة التي أصابتنا، ولن أقبل بمنطق أن ما حدث هو قضاء وقدر فقط، بل هو نتيجة الفوضى والاستخفاف بأرواح الناس″.

ويشجب عبد الحي إهمال القوى الأمنية، مؤكدا أنه قام برفع كتاب الى وزيرة الداخلية ريا الحسن والى محافظ عكار لمطالبته بارسال دوريات الى المنطقة في عطلة نهاية الأسبوع ولكن للأسف لا تجاوب، فالأنظار موجهة الى الأتربة فقط!! كل ذلك يطرح سلسلة من الأسئلة المشروعة، كيف وصلت القموعة الى هذه الحال؟ أين ذهبت الأصوات المطالبة باعلانها محمية طبيعية؟ أين دور فاعليات ونواب المنطقة ومشايخها الذين لو إتحدوا في وجه ما يجري من فوضى لتمكنوا من تحقيق الكثير؟ كيف تحولت أجمل الغابات والمنطقة الأهم من الناحية الطبيعية والبيئية والحيوانية، الى مرتعا للفوضى؟ أين هي الوزارات المعنية؟ أين هي وعود وزير البيئة فادي جريصاتي الذي زار المنطقة وأعرب عن دهشته بجمالها فوعد بمتابعة ملفها بهدف الحفاظ على ثروتها الجمالية؟ كيف سمحت القوى الأمنية بكل تلك الفوضى؟ ألا تستحق روح ريهام الضرب بيد من حديد ووضع حد للتعديات؟ هل تعجز الوزارات والأجهزة الأمنية عن وضع حد للفلتان الحاصل؟ متى سيتم الافراج عن القوانين القاضية باعتبارها محمية؟ وأخيرا، هل نستحق فعلا كنزا إسمه غابة القموعة؟. يؤكد عبد الحي، “أننا للأسف لم نعرف قيمة الثروة التي نملكها، قلنا مرارا أن غاباتنا هي كنز ثمين، ونحن قادرين على أن نحافظ على التنوع الجيولوجي، ولكن للأسف التعديات في إزدياد، وهي السبب المباشر في تهديد حياة النساء والأطفال، إذ سجل نهار الأحد فقط ثلاث حوادث″.

يلحظ الزائر مدى التبدل الحاصل في المنطقة التي تم فيها إنشاء بعض المنتجعات السياحية، من مطاعم، ومدينة ملاهٍ، ومحال تجارية، إضافة إلى المقاهي المنتشرة في أرجائها، والأكشاك المخالفة، كما أن مشاكل التلوث الناتجة من رمي الأوساخ والنفايات تشوه جمال المنطقة، إضافة الى قيام العديد من المواطنين والرعاة باستعمال الأراضي المجاورة لها كحظائر للحيوانات. فضلا عن أعمال القطع المستمرة والممنهجة التي تطال أشجارها النادرة، والتي كانت كفيلة بانهاء أشجار يبلغ عمرها آلاف السنين. خطوة رئيس البلدية التي وصفها كثيرون بالجريئة والتي تدل على روح المسؤولية، عبرت عن غضب شديد ولسان حال كثر من أبناء عكار. أفلا يستدعي ما جرى وضع القموعة تحت المجهر، وإعلانها محمية طبيعية يحظر العبث بمكوناتها وثرواتها النادرة، خصوصاً أن القموعة ملك عام لكل اللبنانيين؟.


مواضيع ذات صلة:

  1. فوضى المقالع والكسارات بين الشمال والبقاع.. تهدد مهرجانات القبيات.. نجلة حمود

  2. الجامعة اللبنانية الدولية تجمع العكاريين في حفل تخرج طلابها.. نجلة حمود

  3. محافظ عكار مدعو لممارسة صلاحياته.. ووزارة البيئة تنذر بعض البلديات… نجلة حمود


 

Post Author: SafirAlChamal