قرار بلدية الحدت.. ″داعشية″ جديدة أم ″فيدرالية″ مقنّعة؟… غسان ريفي

لم يصدق اللبنانيون بادئ الأمر ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي عن رفض أحد الملاكين في منطقة الحدت تأجير منزله الى عائلة لبنانية وذلك لأنها “مسلمة”، وعندما تم التأكد من الواقعة من خلال تسجيل صوتي، تمنى كثيرون أن يكون هذا العمل فرديا ولا علاقة له بأي قرار رسمي، إنطلاقا من أن الملاكين أحرارا في إختيار من يقومون بتأجيره منازلهم، لكن الصاعقة كانت في الوضوح والجرأة اللذين تحدث بهما رئيس بلدية الحدت جورج عون، حيث أعلن صراحة بأن ثمة قرارا بلديا بعدم تأجير أو تمليك مسلمين، ومما زاد الطين بلة، هو أن القرار ساري المفعول منذ أكثر من عشر سنوات، وأن الصدفة وحدها ساهمت في كشفه وإعلانه ليتبين حجم التطرف والغلو والطائفية وصولا الى ″الداعشية″ التي تسيطر على البعض أو ربما على الأكثرية، وهي باتت تهدد الصيغة اللبنانية برمتها والعيش المشترك الذي يتغنى فيه بلد الأديان.

ربما يستحق رئيس بلدية الحدت جورج عون الشكر، كونه كان صريحا الى أقصى الحدود في الكشف عن هذا القرار الغريب والخطير في آن، خصوصا أنه طلب في نهاية بيانه بأن إتركونا نحافظ على مسيحيتنا، في وقت ربما يكون هناك قرارات عدة من هذا النوع تنفذ في مناطق وبلدات أخرى ذات أغلبية طائفية معينة من دون أن يتم الكشف عنه أو إعلانه، بما يؤدي الى عمليات فرز طائفي سرية، قد تؤدي مستقبلا الى ما لا يحمد عقباه، أو أن تؤسس الى توترات عند أي إشكال طائفي قد يحصل في البلد وما أكثرها.

والأغرب من كل ذلك، أن بيان جورج عون مرّ مرور الكرام، ولم يحرّك له أي من المسؤولين المعنيين ساكنا حتى الآن، فالقرار بعدم تمليك أو تأجير المسلمين في الحدت ليس فرديا أو حتى شعبيا، وإنما هو صادر عن سلطة محلية تتبع الى الدولة اللبنانية التي ما تزال تتغنى بالتنوع الطائفي والثقافي والفكري لأبنائها، حيث إتخذت هذه السلطة قرارا هو أشبه بتطهير عرقي، وحولت منطقتها الى كانتون من لون طائفي واحد، من دون حسيب ولا رقيب، فلا المحافظ تحرك، ولا وزارة الداخلية طلبت تفسيرا من رئيس يتبع لها مباشرة، ولا القيادات السياسية التي تتغنى بالعيش المشترك والوحدة الوطنية إستنكرت، أو حاولت رأب الصدع تاركة هذا القرار يتفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مخيف من شأنه في حال إستمراره أن يهدد بفتنة طائفية.

لا شك في أن قرار بلدية الحدت ترك سلسلة تساؤلات تحتاج الى إجابات سريعة، لجهة: هل هناك بلديات أخرى لديها قرارات من هذا النوع ولم يكشف عنها بعد؟، وهل بيان رئيس البلدية جورج عون يخدم العيش المشترك في تلك المنطقة؟، وهل يحق له أن يمنع لبنانيين من السكن في نطاق منطقته بسبب إنتمائهم الديني؟، وهل هذا القرار مغطى سياسيا في ظل محاولة البعض إستنفار الغرائز والعصبيات المسيحية لتحقيق مكاسب سياسية؟، أم أنها الفيدرالية التي سبق وطرحت وتمت مواجهتها بشتى الطرق تطبق اليوم بالممارسة أو بفرض أعراف جديدة؟، وماذا لو أقدمت بلديات ذات لون طائفي أو مذهبي معين الى إصدار قرارات من هذا النوع؟، وكيف ستكون عليه صورة لبنان ومناطقه وبلداته؟، وكيف سيصبح التعاطي بين أبناء الوطن الواحد؟، وهل المحافظة على المسيحية تكون بمنع المسلمين من العيش أو الاقامة في مناطقها أو بالعكس؟..

يمكن القول إن قرار بلدية الحدت هو بمثابة جرس إنذار عن تفشي الداعشية في النفوس، وهي بغض النظر عن دينها أو مذهبها فإنها قد تضع البلد برمته على فوهة بركان، فهل من ينقذ الموقف بوضع حد سريع لهذا التطرف والغلو بسؤال وزارة الداخلية عما يجري، أو بقيام الوزارة باستدعاء رئيس البلدية ومساءلته عن اللعب على هذا الوتر الطائفي الخطير، أم أن الأمر سيُترك للتفاعل والأخذ والرد وصولا الى فتنة قد لا ينفع معها الندم.


مواضيع ذات صلة:

  1. ميقاتي ونواب ″الوسط المستقل″ يبدأون ورشة إجتماعية ـ وطنية.. بإقتراحات قوانين نيابية… غسان ريفي

  2. الى متى سيصمد التفاهم الجديد بين الحريري وباسيل؟… غسان ريفي

  3. بعد إعتداء طرابلس.. كيف يمكن للدولة أن تجفف منابع الارهاب؟… غسان ريفي


 

Post Author: SafirAlChamal